رسالة في أصحاب الإجماع - صفحه 78

[معنى التصحيح ]

وأمّا المراد بالتصحيح ففيه أيضاً قولان ، لكن مرجعُ القولين إلى قولين في المقصود بالموصول ؛ لعدم اختلاف المقصود بالتصحيح على القولين .
فالمحكيّ في كلام الفاضل القاشاني ـ كما يأتي عن جماعة من المتأخّرين ۱ ، بل في كلام الشيخ عليّ سبط الشهيد الثاني عن المشهور ، بل في كلام بعض الأعلام عن الأكثر ۲ ، بل في كلام السيّد الداماد عن الأصحاب ۳ ـ أنّ المقصودَ بذلك الحكمُ بصحّة المرويّ وصدوره عن المعصوم .
فالمقصود بالموصول في قوله : «مايصحّ» هو المرويّ ، أي الحديث ، فالمراد أنّ الأصحاب اتّفقوا على الحكم بصحّة حديثٍ صحّ عن هؤلاء ، بمعنى أنّه إذا صحّ سلسلة السند بينهم وبين هؤلاء ، اتّفقوا على الحكم بصحّة ذلك الحديث وقبوله . وبعبارة أُخرى : إذا ثبت وظهَر لهم صدور الحديث عن أحدهم ، أطبقوا على الحكم بصحّته .
وقد سمعت القول به من الوالد الماجد رحمه الله وبعض الأعلام وسيّدنا ۴ ، وعليه جرى السيّد الداماد ۵ ، وكذا السيّد السند العلي في الرياض ۶
، وهو مقتضى ما عن الشهيد في شرح الإرشاد في مسألة عدم جواز بيع الثمرة قبل ظهورها ۷ ، بل هو المحكيّ عن جماعةٍ كابن داود ۸ ، وشيخنا البهائي ۹ ، والمجلسيين ۱۰ وصاحب الذخيرة ۱۱ ، والعلاّمة البهبهاني ۱۲ ، ونقله السيّد الداماد عن العلاّمة في غير موضعٍ من المختلف ، والشهيدين ۱۳ . وسيأتي مافيه .
وعن المحدّث المحسن القاشاني أنّ المقصودَ بذلك الحكمُ بصحّة الرواية وصدق النسبة ، أي الحكم بكون الجماعة صادقين متحرّزين عن الكذب .
قال في أوائل الوافي نقلاً :
قد فهم جماعةٌ من المتأخّرين من قوله : «أجمعت العصابة أو الأصحاب على تصحيح مايصحّ عن هؤلاء» الحكمَ بصحّة الحديث المنقول عنهم ، ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام بمجرّد صحّته عنهم من دون اعتبار العدالة في من يروون عنه ، حتّى لو رووا عن معروفٍ بالفسق أو بالوضع ، فضلاً عمّالو أرسلوا الحديث ، كان مانقلوه صحيحاً محكوماً بنسبته إلى أهل العصمة صلوات اللّه عليهم .
وأنت خبير بأنّ هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولاظاهرة ؛ فإنّ مايصحّ عنهم إنّما هو الرواية لاالمرويّ ، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم وصدقهم ، بخلاف غيرهم ممّن لم ينقل الإجماع على عدالته ۱۴ ؛ انتهى .
وهو راعى اختلاف التعبير بالعصابة والصحابة فذكرهما ، بل راعى الترتيب ، فقدّم العِصابة على الأصحاب ؛ لكون التعبير ب «العِصابة» ۱۵ في الطبقة الأُولى والثانية ، وب «أصحابنا» في الطبقة الأخيرة ، مع عدم ترتّب ثمرة على اختلاف التعبير المذكور ، ولم يراعِ اختلاف التعبير بالتصديق والتصحيح ، مع إمكان ترتّب الثمرة على هذا الاختلاف باختلاف المراد ، كما قال به الوالد الماجد رحمه الله ، كما سمعت .
فالظاهر أنّه غفل عن هذا الاختلاف ، وربّما نسبه الوالد الماجد رحمه الله إلى التوقّف ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه بملاحظة ذيل التعليل ، أعني قوله : «بل كما يحتمل ذلك» ۱۶ لكن مقتضى صدر التعليل الجزم .
والظاهر أنّ الترديد في الذيل من باب التنزّل والمماشاة .
وحكي القول بذلك عن صاحب الاستقصاء ۱۷ والسيّد السند النجفي ۱۸ وبعض الأفاضل .
وهو المحكيّ عن السيّد السند العلي صاحب الرياض ، وقد يحكى عنه أنّه قال :
إنّي كنت في أوّل شرحي الكبير إلى آخر كتاب الديات معتقداً أنّ معنى العبارة أنّه لايلزم النظر إلى مَنْ قَبْل الرجل الذي ادّعي الإجماع في حقّه ، وبنيت على هذا اجتهادي في هذا الكتاب ، ولم أجد أحداً من العلماء يوافقني ، فراجعتُ وفكرتُ فوجدتُها مخالفةً لما اعتقدته ، فرجعت عمّا اعتقدت ۱۹ .
وربّما يحكى عنه أنّه ـ مع بنائه على جبر أصحاب الإجماع لضعف مَنْ فَوقهم في كثير من مصنّفاته ـ بالغَ في الإنكار ، وادّعى أنّه لم يعثر في الكتب الفقهيّة ـ من أوّل كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات ـ [على] عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتَجّاً بأنّ في سنده أحداً من الجماعة ، وهو إليه صحيح .
وقد يحكى القول بذلك عن الشيخ في التهذيبين ؛ حيث إنّه كثيراً مّا يروي الحديث ولايعتمد عليه ـ مع أنّ فيه أحداً من الجماعة ـ ؛ لضعف مَنْ فَوقَ الجماعة بالإرسال أو غيره ۲۰ ؛ انتهى .
ومنه ماصَنَعه في التهذيبين في أواخر العتق من القدح بالإرسال في مرسل ابن أبي عُمَير ، أعني ما رواه ابن أبي عمير عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
«السائبة وغير السائبة سواء في العتق» ۲۱ .
ومقتضى الكلام المحكيّ عن العلاّمة المجلسي في أربعينه أنّه قول الأكثر ۲۲ . وربّما جنح إلى ذلك بعضُ الفحول ۲۳ .
والفرقُ بين المعنيين ظاهرٌ ؛ حيث إنّ المرادَ على الثاني الإسنادُ ، أي أجمعت العِصابة على الحكم بصحّة الإسناد الذي صحّ عنهم ، بمعنى أنّهم إذا أسندوا إلى غيرهم شيئاً ، اتّفقوا على الحكم بصحّة ذلك الإسناد ، وإن كان الناقلُ غيرَ معتمدٍ عليه ، فإذا قالوا : «أخبرني أو حدّثني فلان» أو «سمعتُ منه» يحكمون بصدقهم .
والمراد على الأوّل الحديثُ ، أي أجمعت العِصابة على الحكم بصحّة الحديثِ الذي نقلوه ، وإن كان الناقلُ أو المنقولُ عنه غيرَ معتمدٍ عليه ، فلايضرّ على هذا التقدير في اعتبار الخبر ضعفُ بعض الجماعة الواقع في السند ، أو ضعف مَنْ قبله .
وقد ظهر فيما مرّ الفرقُ بما ذكر أيضاً .
وبالجملة ، فالمُفاد على القول الأوّل من القولين في التصديق متّحد مع المفاد على القول الأوّل من القولين في التصحيح ، مع جبر الضعف على القولين ، والمفاد على القول الثاني من القولين في التصديق متّحد مع المفاد على القول الثاني من القولين في التصحيح ، مع عدم جبر الضعف على شيء من القولين ، والمفاد على القول الثاني من القولين في التصديق مختلفٌ مع المفاد على القول الأوّل من القولين في التصحيح ؛ فيختلف الجبر نفياً على الثاني ، وإثباتاً على الأوّل .
أقول : الظاهر أنّ المقصود بالإجماع على تصديق الجماعة هو الإجماع على صِدقهم . وما ذكره بعضُ الأعلام ـ من أنّ المقصودَ الإجماعُ على اعتبار الخبر ، والتعبير بالتصديق من جهة كون الغالب في هؤلاء الجماعة أهلِ الطبقة الأُولى روايتَهم عن الصادقين عليهماالسلام بلاواسطة ـ خلاف الظاهر .
وبوجهٍ آخَرَ : مرجعُ ماذكره بعضُ الأعلام إلى أنّ التعبير بالتصديق وارد موردَ الغالب ؛ لفرض غلبة كون الأخبار في الطبقة الأُولى بلاواسطةٍ والفرض اعتبار الخبر .
لكنّه لادليل عليه ، بل أرباب الرجال لم يُراعَ في كلماتهم ما روعي في غيرها ، فضلاً عن مراعاة الأُمور الدقيقة ، ويظهر الحال بالرجوع إليها (بل لولم نقل بأنّ الظاهر كون الأمر في التصديق من باب تعليق الحكم على الفرد من حيث الخصوصيّة ، فلاأقلّ من الإجمال بينه وبين كون الأمر من باب تعليق الحكم على الفرد من حيث الطبيعة ؛ فلايتمّ البناء على التصحيح في الطبقة الأُولى لو كان بعض أصحاب الإجماع مسبوقاً في الضعف في بعض من تقدّم عليه) ۲۴ فلامجال للتعدّي في صحّة الخبر عن صورة عدم الواسطة بصورة ثبوت الواسطة .
ومع ذلك ، المفروضُ أنّ الإجماعَ على التصحيح في صورة خلوّ النسبة إلى المعصوم عن الواسطة إنّما يتأتّى من باب استلزام التصديق للتصحيح ؛ قضيّةَ استلزام الصدق في تلك الصورة للصحّة ، فالأمر خارج عن الاختيار . والتنبيه بالأخصّ على الأعمّ ، أو تعليق الحكم على الفرد مع إلغاء الخصوصيّة إنّما يتأتّى في صورة تعمّد المتكلّم بالاختيار .
فلو روى بعضٌ من الجماعة ـ المنقول في حقّهم الإجماعُ على التصديق ـ عن المعصوم بتوسّط واسطة ضعيفة ، فلايثبت من نقل الإجماع اعتبار الخبر ،
سواء كانت الواسطة مبيَّنة ـ كما لو روى البعض عن شخصٍ ضعيفٍ عن الصادق عليه السلام وهو الغالب ـ أو كانت الواسطة مُبْهمة بأن كان الأمرُ من باب الإرسال بإبهام الواسطة ، كما لو روى بعضُ الجماعة عن رجل عن الصادق عليه السلام .
نعم ، يثبت صدق البعض في الرواية عن الواسطة ، كما أنّه لو روى البعضُ عن المعصوم بلاواسطة ، أولم يكن قدحٌ في من تأخّر عن البعض ، فلاإشكال في اعتبار الخبر .
وأمّا لو روى البعض عن المعصوم بحذف الواسطة ، بأن كان الإرسال من باب الإرسال بحذف الواسطة ، فقد حَكَمَ الوالد الماجد رحمه الله فيما مرّ بثبوت اعتبار الخبر نظراً إلى أنّ نقل الإجماع على التصديق يستلزم هاهنا صحّة الخبر .
لكن يمكن القدح فيه : بأنّ نقل الإجماع على التصديق إنّما ينصرف إلى الفرد الغالب المتعارف ، وهو الإسناد على وجه الإسناد ، أي مايقابل الإرسال ، كيف لا؟ وليس الإرسال بحذف الواسطة بالنسبة إلى الإسناد المقابل للإرسال إلاّ أقلَّ قليل ، فالغرض الإجماع على الصدق في الإسنادات المتعارفة المقابلة للإرسال بحسب الاصطلاح ، وأمّا الإسناد بالمعنى اللغوي المتطرّق في الإسناد بحذف الواسطة عن المعصوم أو الراوي ، فهو غير مشمول للإطلاق ، ولاأقلّ من الشكّ في الشمول .
وبوجهٍ آخر : الظاهرُ انصراف إطلاق الإجماع المنقول إلى الصور المتعارفة التي يكون عهدة الكذب فيها على الراوي ، كما في الإسناد بالمعنى المصطلح عليه المقابل للإرسال . وأمّا الإرسال بحذف الواسطة فيمكن أن يكون الإسناد فيه بالمعنى اللغوي من باب حوالة الحال على وضوح حذف الواسطة ، وكون عهدة الكذب على الواسطة ، فلايشمل الإطلاق المشار إليه .
نعم ، حجيّة المرسل في صورة حذف الواسطة من الثقة أو المتحرّز عن الكذب مع الإسناد إلى المعصوم أو الراوي المعتبر ـ كما حرّرناه في بحث المرسل ـ كلامٌ آخر .
ومع ذلك حذف الواسطة لم يتّفق في السند ، لامن أواسطه ولامن آخره ، لامن الجماعة ، ولامن غيرهم تعمّداً ، نعم ربّما اتّفق سقوط الواسطة في أواسط السند نادراً من باب الاشتباه من الراوي أو بعضٍ مَن دونه .
وأمّا الحذف من أوّل السند ، فقد اتّفق من الصدوق في الفقيه ، والشيخ في التهذيبين كثيراً ۲۵ ، بل كلّ منهما قد ذكر أكثر المحذوفين في المشيخة .
وربّما قيل بحذف الواسطة من الكليني أيضاً كثيراً ، من أوّل السند ، والظاهر أنّه خلاف المشهور ، والمشهور هو المنصور ، وقد حرّرنا الحال في الجميع في الرسالة المعمولة في نقد الطرق ، فلاجدوى في القول بكفاية الإجماع على الصدق في اعتبار الخبر في الإرسال بحذف الواسطة .
وعلى هذا المنوال الحال بناءً على ما يأتي من المختار في الطبقتين الأخيرتين بعد شمول الإجماع المنقول فيهما على المختار للإرسال بحذف الواسطة . هذا هو الكلام في الطبقة الأُولى .

1.الوافي ۱ : ۲۷ ، المقدّمة الثانية .

2.انظر الرسائل الرجاليّة للحجّة الإسلام الشفتي : ۴۱ .

3.الرواشح السماويّة : ۴۷ ، الراشحة الثالثة .

4.حكاه ولد المصنّف عن جدّه السيّد العلاّمة في سماء المقال ۲ : ۳۳۰ .

5.الرواشح السماويّة : ۴۷ ، الراشحة الثالثة .

6.نقله عنه في منتهى المقال ۱ : ۵۶ .

7.غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ۲ : ۴۱ .

8.رجال ابن داود : ۲۰۹ .

9.مشرق الشمسين : ۳۴ .

10.روضة المتّقين ۱۴: ۱۹؛ كتاب الأربعين حديثاً: ۵۱۲.

11.انظر الكفاية : ۱۰۰ عسى أن تستفيد المطلب .

12.تعليقة الوحيد على منهج المقال : ۶ .

13.الرواشح السماويّة : ۴۷ ، الراشحة الثالثة .

14.الوافي ۱ : ۲۷ .

15.في «د» زيادة : «على الأصحاب» .

16.في عبارة الوافي المتقدّمة .

17.استقصاء الاعتبار مخطوط .

18.له رسالة في أصحاب الإجماع غير موجودة.

19.حكاه عنه تلميذه الحائري في منتهى المقال ۱ : ۵۶ .

20.حكاه عنه تلميذه الحائري في منتهى المقال ۱ : ۵۶ .

21.تهذيب الأحكام ۸ : ۲۵۷ ، ذيل ح ۹۳۲ ، باب العتق وأحكامه ؛ الاستبصار ۴ : ۲۷ ، ذيل ح ۵ ، باب ولاء السائبة .

22.الأربعون حديثاً للعلاّمة المجلسي : ۵۱۲ .

23.انظر منتهى المقال ۱ : ۵۵ .

24.ما بين القوسين ليس في «د» .

25.في «د» : «لكن» .

صفحه از 194