رسالة في أصحاب الإجماع - صفحه 85

[معنى التصحيح في الطبقتين الأخيرتين]

وأمّا الطبقتان الأخيرتان ، فللقول الأوّل من القولين في المقام ـ أعني القولين في الصحّة ـ التبادر ؛ فإنّ المتبادر من الموصول هو الحديث دون الإسناد والرواية ، فالمفادُ إجماعُ العِصابة على صحّة المرويّ . وشيوعُ استعمالِ الصحّة عند المحدّثين ، بل مطلقاً في الحديث دون الرواية بمعنى الإسناد كما لايخفى ، أي الغالب إضافة الصحّة إلى الحديث ، فالغَلَبة ترجّح حمل الموصول على الحديث ، وتجعله أولى ، فالظاهر أنّ المقصود بالموصول هو الحديث أيضاً باعتبار أخذ التصحيح والصحّة في صلة الموصول ، أعني «يصحّ» .
أقول : إنّه لامعنى لحمل الموصول على الحديث ؛ حيث إنّ الظاهر أنّ
المقصودَ الإجماع على صحّة ما ثَبَتَ صدوره عن الجماعة بطريقٍ صحيحٍ ، وما صَدَرَ عن الجماعة إنّما هو إسناد الجماعة إلى مَنْ فوقَهم .
نعم ، لوكان رواية الجماعة عن المعصوم بلاواسطة فيصدر عنهم الحديث ، كما أنّ الصادرَ عن المعصوم إنّما هو السنّة لكن لاكلام فيه ، وإنّما الكلام فيما لوكانت رواية الجماعة عن المعصوم مع الواسطة .
وأمّا رواية الجماعة عن المعصوم بحذف الواسطة ، فلايشملها إطلاق الموصول ؛ لظهوره في الإسناد المقابل للإرسال قضيَّة الغَلَبة .
ويظهر الحال بما تقدّم ، فحمل الموصول على الحديث لامجال له في المقام ؛ إذ لامعنى لصحّة الحديث عن الجماعة ، فالجارّ والمجرور يمانع عن حمل الموصول على الحديث ؛ فدعوى التبادر كماترى .
وأمّا حديث غلبة استعمال الصحّة في صحّة الحديث ، أي غلبة إضافة الصحّة إلى الحديث ، فنقول : إنّه قد تطلق الصحّة في كلمات أرباب الرجال على الراوي ، كما يقال : «ثقة صحيح» إلاّ أنّه يدور الأمر بين كون الأمر من باب الإضمار ـ بإضمار المضاف إليه ، أي صحيح الحديث ، وإضمار غير المضاف إليه ، بأن يكون المحذوف هو لفظةَ ـ «في الحديث» ـ وكونِ الأمر من باب إطلاق الصحّة على الراوي باعتبار الخبر .
وقد تطلق الصحّة في كلماتِ أرباب الرجال على بعض أجزاء السند ، كما في الإطلاق على الطريق بالمعنى المقابل للسند ، أي بعض أجزاء السند ، لاالسند ، كما يطلق عليه أيضاً ، كطريق الصدوق والشيخ في التهذيب والاستبصار ، وقد اتّفق للعلاّمة ۱ وغيره شرحُ حالِ الطرق ، والإطلاقُ المذكورُ قد وَقَعَ في كلمات الفقهاء أيضاً .
وعلى أيّ حال فالحديث المذكور ـ بعد الإغماض عن القدح فيه بما ينقدح
ممّا يأتي ـ مدفوع بأنّ في المقام مايمنع عن صحّة حمل الكلام على صحّة الحديث ، أي حمل الموصول على الحديث .
فقد أجاد المحدّث المحسن القاشاني ؛ حيث زيّف القول المزبور بأنّ مايصحّ عن الجماعة إنّما هو الإسناد ، لاالمرويّ ۲ .
وبعد هذا أقول : إنّ كونَ المقصود بالموصول هو الحديثَ لايستلزم كونَ المفاد الإجماعَ على اعتبار الخبر ؛ إذ مايصحّ عن هؤلاء على هذا إنّما هو الحديث باعتبار الراوي عن الجماعة ، فالمقصودُ بتصحيح هذا الحديث الجائي صحيحاً عن هؤلاء إمّا الحكم بصحّته باعتبار نفس أهل الإجماع ، أو باعتبارهم ومَنْ فَوقهم ، فيتأتّى الإجمال ؛ لدوران الأمر بين كون المقصود صحّةَ الحديث المذكور عن المعصوم ، أو عمّن فَوق الجماعة .
وإن قلت : إنّه إذا تعذّر حمل الصحّة في التصحيح على صحّة الحديث باعتبار جميع رجال السند ، فلابدّ من الحمل على الصحّة باعتبار أهل الإجماع ومَنْ فَوقهم ؛ قضيّةَ أنّه إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجاز[ات] متعيّن .
قلت : إنّ المدار في القرب على العرف لاالمرتبةِ ، ومن هذا أنّ الحقّ حملُ الوجوب التعييني عند تعذّر الحمل عليه على الاستحباب ، لاالوجوبِ التخييري ، كيف لا؟ وملاحظة المرتبة من قبيل ملاحظة المصالح العقليّة ، ولامسرحَ لهذه المصالح في باب حمل اللفظ على المعنى والظنّ بإرادته ، مع أنّ المفروض إضافة الصحّة في التصحيح إلى الحديث ، وكون الكلام في التميّز ، أي كون الصحّة باعتبار أصحاب الإجماع ومَنْ فَوقهم ، وكونها باعتبار أهل الإجماع بعد تعذّر كون التميّز جميع رجال السند ، والأمر على كلّ من التقديرين الأوّلين من باب الحقيقة ، كما هو الحال على تقدير كون التميّز جميع رجال السند .
وإن قلت : إنّ معنى تصحيح الحديث هو الحكم بصدورَه عن المعصوم ؛
حيث إنّ معنى صحّة الحديث هو صدوره عن المعصوم .
قلت : إنّ معنى صحّة الحديث وإن كان صدورَه عن المعصوم ، إلاّ أنّه قد استعمل صحّة الحديث هنا في قوله : «مايصحّ عن هؤلاء» في الصدور عن الجماعة ، فيضعف ظهور تصحيح الحديث في الحكم بصدوره عن المعصوم .
إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من تصحيح الحديث هو الحكم بصدوره عن المعصوم بمقتضى ظهور صحّة الحديث في الحكم بالصدور عن المعصوم ؛ لظهور صحّة الحديث في صدوره عن المعصوم .
ويندفع: بالمنع عن ظهور تصحيح الحديث في كلام أرباب الرجال في اعتبار الخبر،حتّى بالنسبة إلى مَنْ فَوق من صحّح حديثه،كيف لا؟ وفي ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي : أنّه صحيح الحديث ، إلاّ أنّه روى عن الضعفاء ۳ .

1.خلاصة الأقوال : ۲۷۵ ، الفائدة الثامنة .

2.الوافي ۱ : ۲۷ .

3.رجال النجاشي : ۳۷۳ / ۱۰۲۰ .

صفحه از 194