المقام الثالث : [ هل الإجماع يوثّق خصوص الجماعة ،] [ أو مع من رووا عنهم؟ ]
في أنّ نقل الإجماع المتقدّم هل يفيد توثيق خصوص الجماعة المتقدّمة فقط ، أو مع مَنْ رووا عنه من الوسائط المتوسّطة بينهم وبين المعصوم ، أولا ولا؟ وعلى تقدير إفادة التوثيق هل يفيد العدالة بالمعنى الأخصّ أو الأعمّ؟ وبعبارة أُخرى هل يفيد الإماميّة ، أو الأعمّ من سوء المذهب؟
والكلام في هذا المقام لايبتني على شيء من القولين في المقام السابق ، بل يتأتّى على كلٍّ منهما ؛ إذ يمكن أن يقال بدلالة نقل الإجماع على صحّة المرويّ دونَ ثبوت عدالة المنقول في حقّه الإجماع ، ولا مَن هو روى عنه؛ لكون المقصود بالصحّة في المقام هو الصحّةَ بالمعنى الذي جرى عليه القدماء ، أي الظنَّ بالصدور ، فلايتأتّى منه عدالة الجماعة ولامَن هم رووا عنه .
كما أنّه يمكن القول بدلالة نقل الإجماع على صحّة المرويّ وعدالة كلٍّ من المنقول في حقّه الإجماعُ ومن روى هو عنه ، بملاحظة أنّ الإجماع على قبول الخبر بمجرّد صدورهِ عن الجماعة وعدم الالتفات إلى حال مَنْ قبلهم ، ليس إلاّ لأجل معرفة العِصابة والأصحاب بوثاقة الجماعة ، وعدم روايتهم إلاّ الرواية المرويّة بنقل الثقة عن الثقة ؛ فروايةُ الجماعةِ تقتضي عدالة الوسائط المتوسّطة بينهم وبين المعصوم ، فما رواه الجماعة ـ لو كان الوسائط المتوسّطة بيننا وبين الجماعة عدولاً ـ محمولٌ على عدالة الباقي من الجماعة ومَنْ رووا عنه .
ويمكن القول بدلالة نقل الإجماع على صحّة المرويّ وعدالة المنقول في حقّه الإجماع ، دون من روى هو عنه ، كما يظهر ممّا يأتي من القول بدلالة نقلِ الإجماع على صحّة المرويّ وعدالة المنقول في حقّه الإجماع ، دون من روى هو عنه .
لكن نقول : إنّه يظهر فساد هذا القول ، فلامجالَ للقول بدلالة نقل الإجماع على صحّة المرويّ وعدالة المنقول في حقّه الإجماع ، دون من روى هو عنه .
ويمكن أيضاً أن يقال بدلالة نقل الإجماع على صحّة الرواية ، دون عدالة المنقول في حقّه الإجماع ؛ لكون المقصود بالصحّة هو الظنَّ بالصدور والصدق ، فلايتأتّى منه عدالة المنقول في حقّه الإجماع ومن رووا عنه .
ويمكن القول بدلالته على العدالة ؛ إذ الظاهر أنّ الذي أجمعت العِصابة والأصحاب على صحّة جميع رواياته لايكون إلاّ عدلاً عادة ، وإن أمكن عقلاً أن يكون فاسقاً فلا أقلّ من الظنّ بالعدالة ؛ وفيه الكفاية .
لكن لامجالَ للقول بإفادة توثيق الجماعة ومن رووا عنه على القول بالدلالة على مجرّد الصدق في المقام السابق ، فكلّ من الأقوال في هذا المقامِ يتأتّى على القول بالدلالة على اعتبار الخبر في المقام السابق ، لكن على القول بالدلالة على مجرّد الصدق في المقام السابق إنّما يتأتّى في هذا المقام القولُ بعدم إفادة توثيق الجماعة . والقولُ بإفادته دون القول بإفادة توثيق الجماعة ومن رووا عنه .
وعلى أيّ حال ، فعن الشهيد في غاية المراد القول بالدلالة على توثيق الجماعة ومن رووا عنه من الوسائط المتوسّطة بينهم وبين المعصوم ؛ حيث إنّه قال في مسألة عدم جواز بيع الثمرة قبل ظهورها بعد أن أورد الحديث المشتمل سنده على الحسن بن محبوب ، عن خالد بن حريز ، عن أبي الربيع
الشامي ۱ : «وقد قال الكشّي : أجمعت العِصابة على تصحيح مايصحّ عن الحسن بن محبوب» ۲ . ثمّ قال : «قلت : وفي هذا توثيقٌ مّا لأبي الرّبيع الشامي» ۳ .
وجرى بعض الأعلام على القول بالدلالة على توثيق الجماعة بالعدالة بالمعنى الأخصّ ، وعدم الدلالة على توثيق من روى عنه الجماعة ، وارتضاه سيّدنا ، إلاّ أنّه قال بالدلالة على العدالة بالمعنى الأعمّ ۴ .
وحكي القول بالدلالة على توثيق الجماعة دون من رووا عنه عن بعض الأفاضل أيضاً ۵ ، بل عن قائلٍ نسبتُه إلى الأكثر ، والظاهر أنّه مقالة الوالد الماجد رحمه اللهوهو ظاهر شيخنا السيّد .
وصريح كلام السيّد الداماد يقتضي القول بالدلالة على وثاقة الجماعة ۶ ، لكن ليس في كلامه عين ولاأثر من القول بالدلالة على وثاقة من روى عنه الجماعة ، كما أنّه لادلالة في كلامه على كون الوثاقة المدلول عليها هي العدالةَ بالمعنى الأخصّ ، أو العدالة بالمعنى الأعمّ .
ويستفاد القول بالدلالة على وثاقة الجماعة من الفاضل الاسترآبادي أيضاً ؛ حيث إنّه حَكَمَ في ترجمة أبان بن عثمان بأنّ الإجماع المنقول في كلام الكشّي ينفي كونه ناووسياً ؛ لأنّ الظاهر ـ بل بلاإشكال ـ كونه مبنيّاً على دلالة نقل الإجماع المذكور على عدالة الجماعة لغاية بُعْد القول بدلالته على الإيمان فقط ۷ ، ولم أظفر
بمن صرّح بالقول بعدم الدلالة رأساً لا على توثيق الجماعة ، ولاعلى توثيق من رووا عنه ، لكن يظهر من المحقّق القمّي في بعض الجواب عن السؤال القولُ به .
واستدلّ بعضُ الأعلام على عدم إفادة توثيق من روى عنه الجماعة : بأنّ الصحيح عند القدماء ـ ومنهم الكشّي ـ عبارة عمّا ثَبَتَ صدوره عن المعصوم ، سواء كان ذلك من جهة مخبره ، أو من جهة القرائن الخارجة ۸ .
فالمراد من تصحيح مايصحّ عنهم الحكم بثبوته وصحّته ، وظاهر أنّ ذلك لايستلزم عدالة الوسائط ؛ لجواز أن يكون ذلك لظهور أنّ هؤلاء لايروون إلاّ ماثَبَتَ عندهم صدوره عن المعصوم بواسطة عدالة الراوي أو بالقرائن الخارجة ؛ فيكون أعمَّ ، والعامّ لايدلّ على الخاصّ ، فقبول أحاديث هؤلاء لايستلزم عدالة الواسطة ، بل يستلزم صحّةَ تلك الأحاديث ، وصحّتُها أعمُّ .
فإن قيل : ذِكر الواسطة دليل على أنّ صحّتها لعدالة الواسطة .
قلنا : فساده ظاهر ؛ لظهور أنّ ذلك لاتّصال السند بأهل العصمة والفرار من الإرسال ، فيذكرون الواسطة ولو كانت ممّن لايعوّل عليه ؛ فالحكم بصحّة أحاديث ۹ هؤلاء الأماجد لايدلّ على عدالة مَنْ قَبلَهم .
وعلى إفادة توثيق الجماعة ۱۰ : بأنّ اتّفاقَ الأصحابِ على تصحيح حديث شخصٍ وقبولهِ بمحض صدورهِ عنه من غير تثبّتٍ والتفاتٍ إلى مَنْ قَبْلَه ليس إلاّ من جهة شدّة اعتمادهم عليه ، كمالايخفى على من سَلَكَ مَسْلك الإنصاف ، وعَدَلَ عن منهج الجَوْر والاعتساف .
ومن البعيد غايةَ البُعد شدّة اعتماد الأصحاب على من كان من الفسّاق ولم يكن من العدول ، بل الظاهر من الإجماع المذكور كونُهم في أعلى مراتب
الوثاقة والعدالة .
فإن قلت : المراد من الوثاقة المستفادة من الإجماع إمّا معناها الأخصُّ ، أي الإمامي العادل الضابط ، أو الأعمُّ . وعلى التقديرين لانسلّم دلالة الإجماع عليها .
أمّا الأوّل : فلظهور أنّ جماعة ممّن ادّعي الإجماع في حقّهم حُكِمَ في الرجال بفساد عقيدتهم ، كعبد اللّه بن بكير ، والحسن بن عليّ بن فضّال ، فقد حَكَمَ شيخ الطائفة وغيره بفَطَحيّتهما ۱۱ ، وحكى الكشّي عن محمّد بن مسعود ذلك ، قال : «قال محمّد بن مسعود : عبد اللّه بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا ، منهم ابن بكير ، وابن فضّال يعني الحسن بن عليّ» ۱۲ .
وكذا أبان بن عثمان ، فقد حكى الكشّي عن محمّد بن مسعود ، عن عليّ بن الحسن بن فضّال أنّه كان من الناووسيّة ۱۳ .
وكذا عثمان بن عيسى ، فقد حكم شيخ الطائفة بوقفه ۱۴ ، ودلّت عليه جملة من الروايات ۱۵ .
وأمّا الثاني : فلأنّه لودلّ عليه لزم توثيقهم لكلّ من ادّعي الإجماع في حقّه ، وهو باطل ؛ لعدم توثيقهم لأبان بن عثمان وعثمان بن عيسى ، ومنه يظهر أنّ التوثيق في من وثّقوه ليس لأجل الإجماع ، بل من غيره ، ومنه يظهر عدم دلالة الإجماع عليه .
قلت : نختار الأوّل ونقول : إنّه لم يَثبت اعتقادُ مدّعي الإجماع فسادَ عقيدة من ذَكر ، أمّا ابن فضّال وعثمان بن عيسى فلم يحك الكشّي الإجماع في حقّهما ، بل إنّما نقله عن البعض ، ولم يثبت أنّه ممّن يعتقد فساد عقيدتهما .
وأمّا ابن بكير وأبان بن عثمان: وإن حكى الكشّي الإجماع المذكور في حقّهما ۱۶ ، لكن لم يظهر منه الاعتراف بفساد عقيدتهما ، بل إنّما حكاه عن ابن مسعود في عبد اللّه بن بكير ، وابنِ ۱۷ فضّال في أبان ؛ حيث حكى عنه الكشّي أنّ أبانا كان من الناووسية ، وحُكْمُ غيرِه بذلك لايضرّ فيما نحن بصدده من دلالة كلامه عليه .
وعلى فرض التسليم نقول : إنّ المدّعى ظهور العبارة فيما ذُكِر ، وثبوتُ خلافهِ في بعضِ المواضع لدلالةٍ أقوى غيرُ مضرٍّ ، وهذا كما يقال : إنّ لفظة «ثقة» تدلّ على كون الموثّق إمامياً عادلاً ، ومع ذلك كثيراً مّا يوصف من فسدت عقيدته بذلك ، كما لايخفى ۱۸ .
ولم يستدلّ على إفادة الإمامية بشيء ، إلاّ أنّ الدليل إمّا ظهور عبارة الكشّي فيه ، أو ظهور شدّة الاعتماد المستند إليه الإجماع على التصديق والتصحيح المنقول في كلام الكشّي في ذلك .
أقول : إنّه لمّا جرينا في المقام السابق على عدم دلالة نقل الإجماع على اعتبار الخبر ، فنحن هنافي فُسْحَةٍ من الكلام في دلالة نقل الإجماع على عدالة من روى عنه الجماعة ، لكن يلزم علينا تشخيص دلالته على عدالة الجماعة وإن لو لم يثبت هذا ليكفي الدلالة على الصدق لعدم اشتراط العدالة .
فنقول : إنّ الصحّة وإن لاتستلزم عدالة الجماعة ولامن رووا عنه ؛ لعدم اختصاص الصحّة في لسان القدماء ـ على ماهو المنقول عنهم ـ بما كان كلّ رجال سنده عدلاً إمامياً ، وعمومِها لكلّ ماكان مظنون الصدور ولوكان بالقرائن الخارجة . إلاّ أنّ الظاهر أنّ الإجماع لم يقع باعتبار اطّلاع العصابة والأصحاب على مجرّد تحرّز الجماعة عن الكذب وإن كان بعضهم أو كلّهم فاسقاً ، بل الظاهر أنّه باعتبار
اطّلاعهم على كونهم في مرتبةٍ عُلْيا من الورع والتقوى ، بحيث لايسامح في أخذ المسائل ، ولايرتكب مايعرفه حراماً ، ولايترك مايعرفه واجباً عن عمدٍ .
إلاّ أن يقال : إنّ الشيخ قد ادّعى أيضاً الإجماع في أشخاصٍ وجماعاتٍ ، ونقْلُ الإجماع منه ظاهرٌ أيضاً في التوثيق ؛ لعدم اختصاص ظهور نقل الإجماع على التصديق في التوثيق بنقل الإجماع من الكشّي .
1.الفقيه ۳ : ۱۵۷ ، ح ۹۶۰ ، باب بيع الثمار ؛ تهذيب الأحكام ۷ : ۸۷ ، ح ۳۷۲ ، باب بيع الثمار ؛ الاستبصار ۳ : ۸۶ ، ح ۳۹۲ ، باب متى يجوز بيع الثمار .
2.رجال الكشّي ۲ : ۸۳۰ / ۱۰۵۰ .
3.غاية المراد ۲ : ۴۱ .
4.حكاه ولد المصنّف في سماء المقال ۲ : ۳۵۱ عن جدّه السيّد العلاّمة .
5.حكاه السيّد الحجّة الإسلام الشفتي في رسائله الرجاليّة : ۴۴ .
6.الرواشح السماويّة ۴۷ ، الراشحة الثالثة .
7.منهج المقال : ۱۷ .
8.استدلّ لهم الحجّة الشفتي في رسائله الرجاليّة : ۴۴ .
9.«أحاديث» ليست في «ح» .
10.من هنا يبدأ استدلال الجدّ السيّد العلاّمة كما حكاه عنه ولد المصنّف في سماء المقال ۲ : ۳۵۲ .
11.الفهرست : ۱۰۶ / ۴۵۲ و ۴۷ / ۱۵۳ .
12.رجال الكشّي ۲ : ۶۳۵ / ۶۳۹ .
13.رجال الكشّي ۲ : ۶۴۰ / ۶۶۰ .
14.رجال الشيخ : ۳۵۵ / ۲۸ .
15.رجال الكشّي ۲ : ۸۶۰ / ۱۱۱۷ ؛ الغيبة : ۶۳ ، ح ۶۵ .
16.رجال الكشّي ۲ : ۶۴۰ / ۶۶۰ .
17.مجرور بعَنْ ، لا في.
18.حكى ولد المصنّف في سماء المقال ۲ : ۳۵۲ هذا الاستدلال عن جدّه السيّد العلاّمة .