في الثاني .
مَثَلاً : وصول الدهن إلى فتيلة السراج شرطٌ لإضاءة السراج ، وهبوب الريح مانع ، وليس عدم هبوب الريح ممّا يتمُّ به اقتضاء الإضاءة .
وكذا سوء خلق العالِم أو الشخص المتعزِّز أو المتموّل مانعٌ عن ميل النفس ، وليس حُسن الخلق شرطا للميل ؛ إذ كلٌّ من العلم والعزّ والتموّل ممّا يقتضي ميل النفس ، لكن حسن الخلق شرط لميل النفس في الجاهل والشخص الذليل والفقير ، لكون الجهل والذلّة والفقر ممّا يوجب انزجار النفس .
إلاّ أن يقال : إنّ حُسن الخلق ـ على ذلك ـ سببٌ لميل النفس لا شرطٌ له ، كما أنّ منع الثقيل عن الهبوط من باب المانع ، ولا مجال لكون عدمه من باب الشرط .
وكذا عدم تعاهُد بعض الأفراد شرطٌ لحمل المُفرد المُعرَّف باللام على العموم بحكم الحكمة ؛ لأنّ الحمل على العموم مبنيّ على مساواة الأفراد ، والتعاهُد موجب للرجحان ، فالتعاهُد لا يكون من باب المانع ، بل عدمه من باب الشرط ؛ إذ اقتضاء الحكمة للحمل على العموم منوط بانتفاء العهد ؛ قضيّة رجحان المعهود ، والمدار في المانع على منع الاقتضاء بل استكماله .
ونظير ذلك : أنّ الواجب وأخواته مصطلحة في الأفعال ، والمَدار بحكم العقل في الواجب على ثبوت المصلحة فيه ، وفي الحرام على ثبوت المفسدة فيه ، وفي المستحبّ على ثبوت الرجحان فيه ، وفي المكروه على ثبوت الحَزازة فيه .
فترك الواجب لا يقتضي ترتُّب المفسدة ، وترك الحرام يقتضي تطرُّق الحَزازة ، وترك المكروه لا يقتضي تطرُّق الرجحان ، فترك الواجب ليس من قبيل فعل الحرام ، وترك الحرام ليس من قبيل فعل الواجب ، وقِس حال ترك المستحبّ وترك المكروه .
ومع قطع النظر عن حكم العقل فالظاهر من التعمّد بالأمر وجوبا أو ندبا إلى جانب الفعل ، والتعمُّد بالنهي تحريما أو تنزيها إلى جانب الترك هو كون