شرح مناظرة الإمام الصادق عليه ‏السلام مع الزنديق - صفحه 176

والكلّيّان موجودان ذهنيّان لا تحقّق لهما في الخارج ، فبين زيد وعمرو ـ مثلاً ـ اشتراك في الإنسان ـ الموجود بحسب الأصالة في الذهن على حدّ كلّ كلّي عقلي ـ وامتياز بمشخّصات، وبين حقيقة زيد ومميّزاته امتياز لكلّ بنفسه أو بالوجود الخارجي وعدمه ، فلا يلزم أن يكون بين كلّ شخص ومميّزاته مميّز موجود خارجي في الخارج ، فبين زيد الأبيض وعمرو اللاأبيض تميّز بالبياض في زيد، وبعدمه في عمرو .
وبالجملة ، فلمّا كانت كلّ من الممكنات غيرَ الوجود، جاز أن يكون المميّز بينهما إمّا الوجودَ ومميّز الوجود نفسه ، أو غيرَ الوجود من الاُمور الموجودة في الذهن ، فلا يلزم أن يكون لكلّ من الممكنات فرجة، ولا لكلّ فرجة فرجة، فينقطع تسلسل الممكنات الخارجيّة من حيث جواز أن يكون الأمر العدمي مميّزا لها ، فإنّ الهويّة متميّزة عن اللاهويّة، وليس اللاهويّة هويّةً ، فلا يلزم أن يكون لكلّ مميّز، هويّة غير المتميّز، بخلاف المميّز بين الواجبين، فإنّه لمّا كانا عين وجوب الوجود ـ كما هو الفرض ـ فالمميّز بينهما لابدّ أن يكون غيره، وأن يكون موجودا خارجيّا؛ لما مرّ من أنّ العدمي يحتاج في وجوده إلى فرد، فإن كان داخلاً في الذات، ثبت احتياج الذات لما هو غير الذات؛ ضرورة احتياج الكلّ للجزء ، وإن كان خارجا وجب أيضا أن يكون موجودا واجبا؛ إذ لو لم يكن موجودا جاز عدم التميّز عند فرض عدمه، ولو لم يكن واجبا فرض جواز عدمه، وقد فرض أنّهما واجبان بما لهما . فالتسلسل هاهنا وارد دون أن يكون واردا هناك ، فلا إشكال .
فلنرجع لتمام شرح ألفاظ الحديث فنقول :
(قال هشام : فكان من سؤال الزنديق) بعد أن لم يرَ مناصا عن القول بالتوحيد إذا ثبت واجب وجود، أراد أن يحاول في إبطال أصل الوجوب ، أو أراد أن يعرف وجه الإثبات ، (قال : فما الدليل عليه؟) أي على أصل ثبوت المصدر .
ولمّا لم يره الإمام أهلاً للجواب بغير دليل الأثر ـ وهو الانتقال من المعلول للعلّة، وهو المعروف بدليل لِمَ ـ (قال أبو عبداللّه عليه السلام : وجود الأفاعيل دلّت على أنّ لها صانعا) وذلك لأنّ كلّ أثر فلابدّ له من فاعل ، فإمّا أوجد نفسه أو أوجده من هو مثله .

صفحه از 178