شرح مناظرة الإمام الصادق عليه ‏السلام مع الزنديق - صفحه 178

ولمّا أتمّ عليه السلام الدليل على وجوده تعالى، وأنّه لا يعرف حقيقته، وإنّما يعبّر عنه بهذه الألفاظ على قدر الوسع ، أفاد الإمام قسطا من صفات الجلال، واختار إيرادها على صفات الجمال من العلم والقدرة تنبيها على أنّ صفاته الثبوتيّة ترجع للسلوب ؛ فكمال توحيده نفي الصفات عنه فقال : (غير أنّه لا جسم ولا صورة ولا يُحَسُّ ]ولا يُجَسُّ [ولا يدرك بالحواسّ الخمس) ظاهرةً وباطنةً .
وعطفها على جملة «لا يحسّ» إمّا توكيد أو يخصّ «يحسّ» بحسّ البصر، فهو من قبيل عطف الشامل على المشمول أو غير ذلك . وفي بعض النسخ «لا يجسّ» بالجيم فهو إمّا من الجسّ اللمس أو التجسّس الاستخبار عنه.
ولمّا أوهم نفي الحسّ جواز إدراك الأوهام له، قال عليه السلام : (لا تدركه الأوهام) أي العقول والأحلام، فضلاً عن الظنون والأوهام. وسمّى العقل وهما للمشاركة له في الانقطاع وعدم الوصول على غور المعنى ، فلا ترجيح في كنه الحقيقة فضلاً عن الجزم .
(لا تنقصه الدهور) لعلّه أراد بالنقص عند الكمال أعمّ من النقص ضدّ الزيادة؛ فإنّ الزيادة في حقّه نقص أيضا .
(ولا تغيّره الأزمان) عطف تفسيري، أو يحمل النقص على ظاهره ويكون التغيّر في طرف الزيادة أو ما هو أعمّ . وإنّما لم يكتف بالعامّ حينئذٍ لأنّه إذا نفي أحد الخاصّين تطلّعت النفس إلى نفي الثاني، والحاصل بعد التعب ألذّ من الحاصل بغير طلب . ولعلّ في جمع الدهور والأزمان إشارةً للردّ على مذهب الزنديق من أنّ مهلكه الدهر وقد علم أنّ الواجب لا يتعدّد .
واختار النفي ب«لا» دون سائر أدوات النفي لعموم نفيها الحالَ وطرفيه، بخلاف غيرها؛ يكشف عن ذلك علم العربيّة .
ولنقطع الكلام طالبين منه سبحانه الإنعام بانكشاف غوامض الأسرار في أخبار أوليائه الأطهار ، والحمدُ للّه وحده، وصلّى اللّه على محمّد وآله الأبرار .

فهرست

صفحه از 178