شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 58

الإشكال في قوله عليه السلام : «ونيّة الكافر شرٌّ من عمله» .الثاني : أنّ المراد أنّ النيّة بدون العمل خيرٌ من العمل بدون النيّة .
ورُدّ بأنّ العمل بدون النيّة لا خير فيه أصلاً ، وحقيقة التفضيل تقتضي المشاركة ولو في الجملة .أقول : يمكن الجواب عنه بما حقّقه نجم الأئمّة وفاضل الاُمّة الرضيّ الأسترآبادي ـ عطّر اللّه مرقده ـ في شرح الكافية ، وهو أنّ حقيقة التفضيل تقتضي المشاركة قطعا ، إلّا أنّها قد تكون بحقيقته ، كما في «زيد أفضل من عمرو» وقد تكون تقديريّة ، كقول عليّ عليه السلام : «لأن أصوم يوما من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أُفطر يوما من رمضان» ۱ لأنّ إفطار يوم الشكّ الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوبٌ عند المخالف ، فقدّره عليه السلام محبوبا إلى نفسه أيضا ، ثمّ فضّل صوم شعبان عليه ، فكأنّه قال : هب أنّه محبوب عندي أليس صوم يوم من شعبان أحبّ منه . ۲ ولايخفى أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ، فكأنّه عليه السلام قال : هب أنّ العمل المجرّد عن نيّة الإخلاص المشوب بالأغراض الفاسدة لو سلّم خيريّته ـ كما هو اعتقاد المغرورين المخدوعين الذين خدعهم الشيطان ، فأقحمهم مزالق الشرك الخفيّ ، وخيّل لهم أنّهم على الصواب وأنّهم مخلصون ـ أليس النيّة الخالصة المخلصة المجرّدة من كدورات العُجب والرياء وغيرهما من الضمائم الرديئة خيرا من ذلك العمل؟على أنّه يمكن توجيه كلام هذا القائل بما هو أدقّ وألطف كما سنُبّه عليه .
الثالث : أنّ المؤمن ينوي خيراتٍ كثيرةً لا يساعده الزمان على عملها ، فكان الثواب المترتّب على نيّاته أكثر من الثواب المترتّب على أعماله ، وهذا الوجه منقول عن أبي بكر بن دريد اللغوي رحمه الله . ۳

1.رواه الصدوق في الفقيه ، ج ۲ ، ص ۷۹ ، ح ۳۴۹ ؛ و فضائل الأشهر الثلاثة ، ص ۶۳ ، ح ۴۵ ؛ والدار قطني في سننه ، ج ۲ ، ص ۱۴۹ ، ح ۲۱۸۵.

2.شرح الرضي على الكافية ، ج ۳ ، ص ۴۵۴.

3.حكاه عنه الشهيد الأوّل في القواعد والفوائد ، ج ۱ ، ص ۱۱۳ ، الفائدة ۲۲ ؛ والشيخ البهائى في أربعينه ، ص ۴۵۱ ، ذيل الحديث ۳۷ ؛ وانظر المجتنى لابن دريد ، ص ۲۳.

صفحه از 66