شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 59

أقول : ويؤيّد هذا الوجه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول : ياربّ ارزقني حتّى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير ، فإذا علم اللّه عزّ وجلّ ذلك منه بصدق نيّة ، كَتَبَ له من الأجر فِعْل ما يكتب له لو عمله ، إنّ اللّه واسعٌ كريم» . ۱ وهذا الخبر كما ترى بذلك ، على أنّ الثواب المترتّب على هذه النيّات يساوي الثواب المترتّب على أعمالها .
الرابع : أنّ طبيعة النيّة خيرٌ من طبيعة العمل ؛ لأنّه لايترتّب عليها عقاب أصلاً ، بل إن كانت خيرا يثب عليها ، وإن كانت شرّا كان وجودها كعدمها ؛ بخلاف العلم ، فإنّ من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ، ومَن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره . ۲ وهذا الوجه نقله شيخنا البهائي ـ عطّر اللّه مرقده ـ في حاشية كتاب الأربعين عن والده العلّامة الحسين بن عبد الصمد الحارثي . ۳
الخامس : أنّ النيّة من أعمال القلب ، وهو أفضل من الجوارح ، فعملهُ أفضل من عملها ، ألا ترى إلى قوله تعالى : «أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي»۴ ، جعل سبحانه الصلاة وسيلة إلى الذِّكر ، والمقصد أشرف من الوسيلة ، وأعمال القلب مستورة عن الخلق لا يتطرّق إليها الرياء ونحوه ، بخلاف أعمال الجوارح ؛ قاله بعض المتأخِّرين . ۵ وأورده شيخنا البهائي في شرح الحديث السابع والثلاثين من كتاب الأربعين ولم يحكه عن أحد ، ۶ لكنّي رأيت في بعض مباحث إحياء علوم الدين ما تقرب من ذلك. ۷ وفيه نظر ؛ لأنّه إن أراد أنّ النيّة الخالصة لا يتطرّق إليها الرياء فهو عين المدّعى ، وإلّا فلا أعرف له وجه صحّة . والوجه الأوّل [احتمال ]محض فتدبّر .

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۸۵ ، باب النيّة ، ح ۳.

2.اقتباس من الآية ۷ ـ ۸ من سورة الزلزلة (۹۹).

3.أورده الشيخ البهائي في أربعينه ، ص ۴۵۱ ، ذيل الحديث ۳۷ ، و لم يحكه عن أحد.

4.طه (۲۰) : ۱۴.

5.انظر مجمع البحرين ، ج ۳ ، ص ۱۴۱۰ ، (فكر) ؛ و مرآة العقول ، ج ۸ ، ص ۹۴.

6.الأربعون ، ص ۴۵۱ ، ذيل الحديث ۳۷.

7.إحياء علوم الدين ، ج ۴ ، ص ۳۶۶ ، بيان سرّ قوله صلى الله عليه و آله : «نيّة المؤمن خير من عمله».

صفحه از 66