شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 61

والمقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب .ولا تظنّ أنّ في موضع الجبهة على الأرض عرضا من حيث إنّه جمع بين الجبهة والأرض ، بل من حيث إنّه بحكم العادة يؤكّد صفة التواضع ، فإنّ مَن يجد في نفسه مُواضعا ، فإذا استعان بأعضائه وصوّرها بصورة التواضع تأكّد بذلك تواضعه . وأمّا من يسجد غافلاً عن التواضع وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا ولا يصل من وضع جبهته على الأرض أثرا إلى قلبه ، بل وجوده كعدمه ، نظر إلى الغرض المطلوب منه ، وكانت النيّة روح العمل وثمرته ، والمقصود الأصلي من التكليف به وكانت أفضل .وقال شيخنا البهائي ـ عطّر اللّه مرقده ـ في الأربعين : «وهذا الوجه قريبٌ من الوجه الخامس ». ۱
ولي فيه نظر .التاسع : أنّ خلود أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار إنّما هو بنيّة الطاعة أبدا ونيّة العصيان أبدا ، كما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّما خُلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللّه أبدا ، وإنّما خُلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبدا ، فبالنيّات خلّد اللّه ، وهو يلائم قوله تعالى : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ»۲ ، قال : على نيّته» . ۳ وحينئذٍ تكون النيّة خيرا من العمل ؛ لأنّ المترتّب عليها الدوام والخلود وهو خيرٌ ممّا يترتّب على العمل .
أقول : لايبعد أن يُراد بالنيّة في هذا عقد الإيمان تجوّزا وتوسّعا ، ويدلّ عليه أنّ الخلود المذكور يترتّب عليه عند الإماميّة وعلى مقابله وهو الكفر ، لا على النيّتين المذكورتين ؛ فتدبّر .العاشر : أنّ النيّة سلطان الأعمال ، لها التصرّف فيها وإلباسها خلع الخيريّة والشرّيّة ،

1.الأربعين ، ص ۴۵۳ ، ذيل ح ۳۷.

2.الإسراء (۱۷) : ۸۴ .

3.الكافي ، ج ۲ ، ص ۸۵ ، باب النيّة ، ح ۵ ، مع اختلاف يسير.

صفحه از 66