شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 62

حتّى أنّها تنضمّ إلى المباحات الشرعيّة ، وتحتال فيها حتّى ينظّمها في سلك الطاعات أو في سلك المحرّمات .قال بعض مشايخنا عطّر اللّه مرقده :
ينبغي للعاقل الرشيد أن ينوي في كلّ أفعاله حتّى المباحات الصرفة القربةَ ليُثاب عليها ؛ لأنّ الباري ـ عزّ وجلّ ـ [يقبل ]كريم الحيلة لكرمه ، بل هو الذي دلّنا على الحيلة ووضع لنا طرقها ؛ حيث إنّ جميع عباداتنا حيل على جوده وكرمه ، وكلّفنا بها وهو غنيٌّ عنها ، فإذا أكل نوى بمأكله القربة في تقوية جسمه على الصلاة والعبادة ودفع ضرر الجوع ؛ لأنّ دفع الضرر واجب ، وكذا إذا شرب أو لبس ليقي جسمه من الحرّ والبرد ، أو نام ليدفع ضرر السهر ويقوم للصلاة نشطا ، أو جامع ليكسر الشهوة الحيوانيّة ويقبل على ما يهمّه من اُمور .وعلى هذا النهج تصير أفعال الإنسان كلّها عبادة ، ويُثاب عليها من جزيل كرم اللّه تعالى . ۱ انتهى .
ولايخفى أنّ بالنيّات الفاسدة تصير كلّ تلك الأفعال معاصي ، فلهذا كانت النيّة خيرا من العمل وشرّا منه .الحادي عشر : أنّ خيريّة النيّة وشرّيّتها ذاتيّة قطعا ، وأمّا خيريّة العمل وشرّيّته فتابعتان لخيريّة النيّة وشرّيّتها ، كما في نيّة التأديب والإهانة للتشفّي وإراحة النفس من مشقّة الغيظ .
ومعلوم أنّ ما كانت خيريّته بالذات والأصالة أقوى خيريّةً ممّا خيريّته بالتبع والفرعيّة ، وكذا القول في جانب الشرّيّة .الثاني عشر : أنّ النيّة عبارة عن الداعي إلى الفعل والحامل عليه ، وهو إنّما يكون خيرا مع مشاقّهٌ لكثرة عوائقه من العلل المزمنة في جوهر النفس من آفات الرياء والعُجب والاغترار والوسواس وغيرها ممّا فصّله علماء القلوب ، وفي إحياء علوم الدين في الجزء الثالث في الكتاب الأوّل والثامن والتاسع جملة . في هذا الباب : «وأين

1.العقد الحسيني (لوالد الشيخ البهائي) ، ص ۷.

صفحه از 66