شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 65

وهو كما ترى ، وأيّ داع إلى مثله مع المندوحة لغيره من الوجوه المعتبرة والتأويلات الصحيحة .السابع عشر : أنّ الضمير في «عمله» غير عائد إلى المؤمن كما ظنّ ، بل إلى الكافر المعهودُ ذلك أنّه كان في المدينة قنظرة ، فبناها اليهودي ، وقد نوى بعض المسلمين أن يبنيها ، فقال صلى الله عليه و آله : «نيّة المؤمن خيرٌ من عمله» أي خيرٌ من عمل ذلك الكافر .ذكر هذا الوجه بعضهم ونقل أنّه خيرا .
ولايخفى أنّه لاتتمشّى في قوله عليه السلام : «نيّة الكافر شرٌّ من عمله» .الثامن عشر : أنّ النيّة ليست مجرّد قولك عند الصلاة أو الصوم أو التدريس : اُصلّي أو أصوم أو اُدرِّس قربةً إلى اللّه مُلاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك ومتصوّرا بها بقلبك ، هيهات إنّما هذا تحريك لسان ، وحديثٌ .
وإنّما النيّة المعتبرة انبعاث النفس وميلها وتوجّهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها إمّا عاجلاً وإمّا آجلاً ، وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلاً لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرّد النطق بتلك الألفاظ وتصوّر تلك المعاني ، وما ذلك إلّا كقول الشبعان : أشتهي الطعام وأميل إليه قاصدا حصول الميل والاشتهاء ، وكقول القارع : أعشق فلانا واُحبّه وأنقاد إليه واُطيعه ، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء وميله إليه وإقباله عليه إلّا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك الميل والانبعاث ، واجتناب الاُمور المنافية لذلك المضادّة له ، فإنّ النفس إنّما تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميل إليه ؛ تحصيلاً للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات ، فإذا غلب على قلب المدرّس مثلاً حبّ الشهرة وإظهار الفضيلة وإقبال الطلبة عليه وانقيادهم إليه ، فلايتمكّن من التدريس بنيّة التقرّب إلى اللّه سبحانه ونشر العلم وإرشاد الجاهلين ، بل لا يكون تدريس إلّا لتحصيل تلك المقاصد الواهية والأغراض الفاسدة ، وإنّما قال بلسانه : اُدرِّس قربةً إلى اللّه ، وتصوّر ذلك بقلبه ، وأثبته في ضميره ، وما دام لم يقلع تلك الصفات الذميمة من قلبه لاغيّره نيّته أصلاً .

صفحه از 66