شرح حديث "نية المؤمن خير من عمله" - صفحه 97

الذكر ، والمقصود أشرف من الوسيلة ، وأيضا فأعمال القلب مستورة عن الخلق لا يتطرق إليها الرياء ونحوه ، بخلاف أعمال الجوارح .
السادس : أن المراد أن نية بعض الأعمال الشاقة كالحج والجهاد خير من بعض الأعمال الخفيفة ، كتلاوة آية والصدقة بدرهم مثلاً .
السابع : أن لفظة «خير» ليست اسم تفضيل ، بل المراد أن نية المؤمن خير من جملة أعماله ، و«مِن» تبعيضية ، ونُقل هذا عن السيّد المرتضى ـ رضوان اللّه عليه ـ ۱ ، وبه يندفع التنافي بين هذا الحديث وبين ما روي عنه صلى الله عليه و آله : أفضل الأعمال أحمزها . ويزول الإشكال المشهور في قوله عليه السلام : نية الكافر شر من عمله . فإن لفظة «شر» حينئذٍ كلفظة «خير» في عدم إرادة التفضيل .
ولا يخفى عدم جريان هذا الوجه في الحديث الذي نحن بصدد الكلام فيه .
الثامن : أن المراد بالنية تأثر القلب عند العمل ، وانقياده إلى الطاعة ، وإقباله على الآخرة ، وانصرافه عن الدنيا ، وذلك يشتد بشغل الجوارح ۲ في الطاعات ، وكفِّها عن المعاصي ؛ فإنّ بين الجوارح والقلب علاقةً شديدة يتأثر كل منهما بالآخر ، كما إذا حصل للأعضاء آفة سرى أثرها إلى القلب فاضطرب ، وإذا تألّم القلب بخوف مثلاً سرى أثره إلى الجوارح فارتعدت ، والقلب هو الأمير المتبوع ، والجوارح كالرعايا والأتباع ، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب ، فلا تظن ۳ أن في وضع الجبهة على الأرض غرضا من حيث إنه جمع بين الجبهة والأرض ، بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب ، فإن من يجد في نفسه تواضعا ، فإذا استعان بأعضائه وصوّرها بصورة المتواضع تأكد بذلك تواضعه ، وأما من يسجد غافلاً عن التواضع وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا فلا يصل من وضع الجبهة على الأرض أثر

1.في نسختي الأربعين : «رضي اللّه عنه» .

2.في المخطوطة : الخوارج ، وهو غلط من الناسخ .

3.هذه اللفظة منقطة في المخطوطة بنقطتين فوق المثناة فتصير : «تظن» ، وتحتها ، فتصير : «يظن» . وما أدرجناه موافق لنسختي الأربعين المخطوطة والحجرية .

صفحه از 112