شرح حديث "نية المؤمن خير من عمله" - صفحه 98

إلى قلبه ، بل سجوده كعدمه نظرا إلى الغرض المطلوب منه ، فكانت النية روح العمل وثمرته والمقصد الأصلي من التكليف به ، فكانت أفضل .
وهذا الوجه قريب من الوجه الخامس .
التاسع : أن النية ليست مجرد قولك عند الصلاة أو الصوم أو التدريس : اُصلّي أو أصوم أو اُدرّس قربةً إلى اللّه ، ملاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك ومتصوّرا لها بقلبك هيهات! إنما هذا تحرك لسان وحديث نفس ، وإنما النية المعتبرة انبعاث النفس وميلها وتوجّهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها إما عاجلاً أو آجلاً ، وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلاً لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ وتصوّر [تلك] ۱ المعاني ، وما ذلك إلا كقول الشبعان : أشتهي الطعام وأميل إليه ، قاصدا حصول الميل والاشتهاء ، وكقول الفارغ : أعشق فلانا واُحبّه وأميل إليه ۲ واُطيعه ، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء وميله إليه وإقباله عليه إلا بتحصيل ۳ الأسباب الموجبة لذلك الميل والانبعاث [واجتناب الاُمور المنافية لذلك المضادة له] ۴ ؛ فإن النفس إنما تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميل إليه تحصيلاً للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات ، فإذا غلب على قلب المدرّس مثلاً حب الشهوات ۵ وإظهار الفضيلة وإقبال الطلبة عليه وانقيادهم إليه ، فلا يتمكن من التدريس بنية التقرب إلى اللّه سبحانه بنشر العلم وإرشاد الجاهلين ، بل لا يكون تدريسه إلا لتحصيل تلك المقاصد الواهية والأغراض الفاسدة وإن قال بلسانه : «اُدرّس قربة إلى اللّه » وتصوّر ذلك بقلبه وأثبته في ضميره ، ومادام لم يقلع تلك الصفات الذميمة من قلبه لا عبرة بنيته أصلاً .
وكذا إذا كان قلبك عند نية الصلاة منهمكا في اُمور الدنيا والتهالك عليها والانبعاث

1.الزيادة ليست في المصدر ، أضفناها من نسختي الأربعين .

2.في هامش المخطوطة : خ ل : «أنقاد إليه» .

3.في المخطوطة : «تحصيل» . وما أدرجناه من نسختي الأربعين .

4.أضفنا الزيادة من الأربعين بنسختيه .

5.في الأربعين ـ بكلا نسختيه ـ : «حب الشهرة» ، وهو أظهر .

صفحه از 112