شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 128

العمل توصّليا ، أو بالنسبة إلى قصد التقرّب به إن كان تعبّديا ، وهو واضح .
ولذا صار فقه معنى الحديث الشريف معركة للآراء والأنظار ، ومعرضا لجولان أفكار المتكلِّمين من العلماء وذوي الأبصار ، فشمّروا أذيالهم لحلّ الإشكال ، ورفع الإجمال ببيانات متعدّدة ، وعبارات متشطّطة .
ونحن نذكر جملة منها على سبيل الإجمال ، حذرا عن التطويل في المقال ، الموجب للملال ، ثمّ نعقّبها بعون اللّه تعالى بما ينكشف به القناع ويتّضح الحال .
فنقول : قال بعض الأكابر : «اعلم أنّه قد يظنّ أنّ سبب الترجيح أنّ النيّة تدوم إلى آخر العمل ، والأعمال لا تدوم . وهو ضعيف ؛ لأنّ ذلك يرجع معناه إلى أنّ العمل الكثير خيرٌ من القليل ، بل ليس كذلك كلّيّة ، فإنّ نيّة أعمال الصلاة قد لاتدوم إلّا في لحظات معدودة والأعمال تدوم» ۱ انتهى .
وأنت خبير بأنّ ما أورده على هذا الوجه من منع الصغرى إنّما يتمّ على كون النيّة هو الإخطار والقصد التفصيلي بالنسبة إلى العمل .
وأمّا بناءً على ما هو الحقّ من كونها أعمّ منه وممّا يبقى مركوزا في الذهن من القصد الإجمالي المؤثِّر في اتّصاف أجزاء العمل بكونها اختياريّة المعبّر عنه في لسان المتأخِّرين بالداعي فلا.
كيف ، ومن المعلوم أنّ النيّة بهذا المعنى الذي يعبّر عنه المشهور بالاستدامة الحكميّة يعتبر بقاؤها إلى آخر العمل ، ولذا حكموا بوجوب الاستدامة الحكميّة إلى الفراغ .
فالأولى الإيراد عليه أوّلاً : بأنّا ولو سلّمنا أنّ النيّة تدوم إلى آخر العمل ، والأعمال الصلاتيّة ـ لكونها متدرّجة في الوجود ـ لاتدوم ، لكن نمنع عن كون المراد من العمل المفضّل عليه في الحديث هو مطلق العمل الشامل للأجزاء ؛ إمّا لمنع صدق العمل على الأجزاء عرفا ، أو لدعوى انصرافه في خصوص الحديث إلى العمل المستقلّ .

1.قال به الفخر الرازي في التفسير الكبير ، ج ۳ ، ص ۵ ، ذيل تفسير الآية ۱۱۰ من سورة البقرة.

صفحه از 133