شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 129

وثانيا : سلّمنا كون المراد من العمل في الحديث هو الأعمّ ، لكن نمنع عن أنّ العمل الكثير مطلقا خيرٌ من القليل ؛ إذ ربّ عملٍ قليل لمكان أهمّيّته خيرٌ من الكثير الذي ليس بهذه المثابة من الأهمّيّة ؛ هذا .
مع أنّ مقتضى هذا الوجه هو كون النيّة المجرّدة الممتدّة إلى ساعة ـ مثلاً ـ خيرا من العمل المأتيّ به مع النيّة في ربع ساعة ، وهذا بديهيّ الفساد .
وقال أيضا بعضهم : إنّ معنى الحديث أنّ النيّة بمجرّدها خيرٌ من العمل بمجرّده من دون نيّة . ۱
وفيه : أنّه وإن كان كذلك خارجا لكن لا يمكن أن يكون هو المراد من التفضيل في الحديث الشريف ؛ لأنّ العمل بلا نيّة لا خير فيه أصلاً حتّى تكون النيّة المجرّدة أفضل منه .
وبعبارة اُخرى : التفضيل إنّما يصحّ عند وجود جامع الاشتراك بين المفضّل والمفضّل عليه ، وفي المقام مفقود .
وقال أيضا ثالث : إنّ معنى الحديث هو أنّ كلّ طاعة حيث تنتظم بنيّة وعمل ، وكلّ ما انتظم منه الطاعة فهو خير ، فتكون النيّة أيضا كالعمل خيرا وجزءًا للعمل العبادي . ۲
ومرجع هذا المعنى ـ كما ترى ـ إلى أنّ كلمة «خير» في هذا الحديث منسلخة عن معناها التفضيلي ، وأنّ المراد هو أنّ نيّة الخير خير ومن جملة العمل العبادي في الموضوعيّة للآثار المطلوبة منه شرعا ، لا أنّها أفضل من العمل .
ولايخفى عليك أنّ هذا المعنى وإن كان حاسما للإشكال الوارد على الحديث ، لكن يبعّده أنّه على هذا كان المناسب إدخال الواو العاطفة على قوله صلى الله عليه و آله : «من عمله» إذ بدونها يكون على خلاف ما هو طريقة أهل المحاورة في مقام التفهيم والتفهّم ، كما لا يخفى على من راجعهم .

1.نقله الفخر الرازي في التفسير الكبير ، ج ۳ ، ص ۵ ، ولم يحكه عن أحد.

2.قال به السيّد المرتضى في غُرَر الفوائد ودُرَر القلائد (أمالي المرتضى) ، ج ۲ ، ص۲۶۸ ، والغزالي في إحياء علوم الدين ، ج ۴ ، ص ۳۶۶.

صفحه از 133