شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 130

وقال بعضهم أيضا : وللخبر معنىً آخر ، وهو أنّ المؤمن ينوي أن يوقع مثلاً عباداته على أحسن الوجوه ، ثمّ لمّا اشتغل بها فلا يتيسّر له ذلك ، ويكسل عنها ، ولم يأت بها على ما ينبغي ، فالذي ينوي خيرٌ من الذي يعمل . ۱
وأيضا ينوي أبدا أن يأتي بالطاعات والقربات ، ويجتنب عن المعاصي والسيّئات ؛ لإيمانه باللّه تعالى واليوم الآخر ، ثمّ لا يوفّق لذلك ، ولا يتأتّى منه ما نواه .
وأيضا ينوي مثلاً إن آتاه اللّه مالاً ينفقه في سبيله ، ثمّ لمّا آتاه فربّما يبخل به ، فنيّته خيرٌ من عمله .
وإلى هذا المعنى أشار أبو جعفر الباقر عليه السلام حيث كان يقول : «نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ، وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه ، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله ، وذلك لأنّ الكافر ينوي الشرّ ولا يقدر على إدراك تمام المنويّ في مقام العمل» ۲ بل قد لا يستطيع من العمل بما نوى من الشرّ رأسا .
وسُئِلَ الصادق عليه السلام عن معنى الحديث ، فقال عليه السلام : «لأنّ العمل ربّما كان رياء المخلوقين ، والنيّة خالصة لربّ العالمين ، فيُعطي عزّ وجلّ على النيّة ما لا يُعطي على العمل» . ۳
وقال عليه السلام أيضا : «إنّ العبد لينوي من نهاره أن يصلّي نافلة الليل ، فيغلبه عينه فينام ، فيثبت اللّه له صلاة ، ويكتب نَفَسه تسبيحا ، ويجعل نومه صدقة» . ۴
ولايخفى عليك أنّ هذين الجوابين الأخيرين في دفع الإشكال إنّما يفيدان الترجيح للنيّة المجرّدة على العمل نوعا ، وحاصل وجه التفضيل أنّ النيّة المجرّدة لكونها أمرا

1.نسبه إلى بعض المحقّقين في البحار ، ج ۶۷ ، ص ۱۹۰ ، وقال به النراقى فى جامع السعادات ، ج ۳ ، ص ۹۶. انظر هذه المعاني وأكثر في القواعد والفوائد للشهيد الأوّل ، ج ۱ ، ص ۱۰۸ ، الفائدة الثانية والعشرون ، و كتاب الأربعين للشيخ البهائي ، ص ۴۵۱ ، والتفسير الكبير ، ج۳ ، ص ۵ ـ ۶ ، ذيل تفسير الآية ۱۱۰ من سورة البقرة ، والدرّة النجفيّة للشيخ يوسف البحراني ، ج ۳ ، ص ۱۱۳ فمابعد ، الدرّة ۴۷.

2.علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۲۴ ، الباب ۳۰۱ ، ح ۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۵۴ ، ح ۱۰۹ ، مع تفاوت فيهما.

3.بحار الأنوار، ج ۶۷، ص ۲۰۶.

4.علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۲۴ ، الباب ۳۰۱ ، ح ۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۵۳ ، ح ۱۰۷ ـ ۱۰۸.

صفحه از 133