شرح حديث «نيّة المؤمن خير من عمله» - صفحه 132

أشكلوا على مفاد الرواية ومعناها بأنّه ما معنى صورة اللّه التي خلق اللّه تعالى آدم على تلك الصورة ، مع أنّه ـ تعالى شأنه الأقدس ـ أجلّ من أن يكون له مادّة وصورة ؟ ووقعوا في معنى هذه الكلمة في حيص وبيص ، وتمحّلوا غاية التمحّل في بيان هذه الكلمة ، وأطنبوا في بياناتهم بما لا مزيد عليه من تحقيقات حِكَميّة ، وتدقيقات كلاميّة ، بل وإشراقات عرفانيّة ، ومع ذلك ما أتوا بشيء في بياناتهم ممّا يطمئنّ به نفس المستمع ، وقلب المستفيد .
والإنصاف أنّ التأمّل في صدرهما يوجب رفع توهّم الإجمال في ذيلهما بحيث لايبقى للإشكال فيهما مجال .
فنقول : أمّا صدر هذه الرواية التي نبحث عنها ، فهو أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يمرّ في بعض الطرقات من سكك المدينة ومعه بعض أصحابه ، فإذن رأوا معبدا جديدا وكنيسة عظيمة بناها بعض أهل الكتاب لأهل نحلته وعباداتهم الفاسدة ، فتحسّر الصحابي قائلاً : ياليت كنت متمكِّنا من بناء مسجد إسلامي لأتقرّب به إليه تعالى . فقال صلى الله عليه و آله في هذا المقام مخاطبا للصحابي : «نيّة المؤمن خيرٌ من عمله» . ۱
وظاهر أنّ مفاد هذا الكلام في هذا المقام أنّ نيّتك في بناء المسجد الإسلامي لو كنت قادرا ومتمكِّنا من بنائه خيرٌ من بناء هذا الكتابي هذه الكنيسة .
فظهر ممّا ذكرنا أنّ مرجع ضمير كلمة «عمله» ليس كلمة «المؤمن» حتّى يستشكل فيه بما مرّ ، بل مرجعه الكافر الكتابي الباني للمعبد المعهود ؛ فافهم .
وأمّا صدر الرواية الاُخرى المستشكل فيها بما مرّ أيضا ، فهو أنّ رجلين ترافعا وتحاكما عند النبيّ صلى الله عليه و آله في دَين أو ميراث ، وسبّ أحدهما في أثناء الدعوى صورة الآخر كما هو المتعارف عند الأعاجم ويقولون بالفارسيّة (مرده شور صورتت را بِبَرَد)

1.رواه علي بن محمّد بن الحسن بن زين الدين (الشهيد الثاني) في الدرّ المنثور من المأثور وغير المأثور ، ج ۱ ، ص ۳۵۷ و فيه : «أنّ رجلاً أنصاريا نوى أن يعمل جبيرا كان على باب المدينة قد انهدم ، فسبقه اليهودي فعمله ، فاغتمّ الأنصاري بذلك ، فقال النبي صلى الله عليه و آله ...».

صفحه از 133