اعلم أيّدك اللّه بنوره : الذي يظهر لي من الأخبار وقواعد العدل والحكمة أنّ الحسنة والسيّئة إذا خطرت ببال المكلّف المختار مجرّد خطور وتذكّر وتصوّر لحقيقتها ومعناها ولفعلها وحسنه أو قبحه أو لذّته ، فإن كان إحضارها بالبال لأجل الترغيب في فعل الطاعة أو ترك المعصية أو التحذير من ترك الطاعة أو فعل المعصية اُثيب ، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة والأخبار والاعتبار ؛ وإلّا يكن كذلك ، بل مجرّد تصوّر بلا عزم على فعل أصلاً ، بل مجرّد تصوّر وتذكّر لهما أو لإحداهما ، فلا ثواب ولا عقاب ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق ؛ إذ ربّما تخطر إحداهما بالبال قهرا ، وربّما ألقى الملك أو الشيطان ذكرها وتصوّرها هكذا ، وللزم تحريم تعلّم معنى المعصية وتعليمها وذكرها لأجل التحذير أو الترغيب .
فالمقطوع به أنّه لا ثواب ولا عقاب بمجرّد خطور أحدهما بالبال ما لم يكن نيّة على فعل لما خطر أو ذكر يُثاب أو يُعاقب عليه.
وإن خطرت أحدهما بالبال وهمَّ بفعله وعزم عليه ، أي نوى فعله ؛ فلا يخلو إمّا أن يكون المنويّ فعل الطاعة الواجبة أو المندوبة ، أو ترك الواجبة أو المندوبة .
فأقسام النيّة بالنسبة إلى الطاعة أربعة ؛ ففي الأوّلين يُثاب إن فعل ما نواه ، ويكتب له عشر حسنات وإن تفاضلت قوّةً وضعفا بحسب فضل الواجب على النفل ؛ واللّه يضاعف لمن يشاء .
وإنّما كانت الحسنة بعشر لأنّها من نور الوجود الفائض من فعل المعبود ، فهي إذا صدرت من العابد صدرت من جميع مراتب وجوده العشر الكلّيّة ، واللّه يضاعف لمن يشاء بحسب قوّة مراتبه وضعفها ، وقوّة درجاته الإيمانيّة العشر وضعفها ، وقوّة علمه وإخلاصه وضعفهما .
ولأجل أنّ طاعات الموحِّدين من فاضل شعاع نور إمامهم ، كانت ثابتة غير مجتثّة ؛ لثبات أصلها وعلّتها.
وإن لم يفعل ما نواه ، فإن كان واجبا ، فإن كان تركه لحائل قهري ، لم يُعاقب على تركه ؛ لكن هذا لا يتحقّق معه نيّة الترك ؛ لأنّه لم تنفكّ عنه النيّة الكلّيّة للفعل الكلّي أو