كلّ جود يفيض من المعبود ، فقد منَّ على الأبوين بأن جعل لكلّ منهما في ذرّيّته ، أي ما ولد وتناسل منه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط حسّا أو عقلاً ، فكلّ منهما ذرّيّته بحسبه.
(مَن همَّ بحسنة) أي عزم على فعلها عزما مستقرّا ونواه ، فإن كانت واجبة وعملها ، اُثيب على نيّته وعمله ، وإن لم يعملها فإن كان تركه لحائل قهري ، اُثيب على نيّته ما بقيت ، وإن كان الحائل حينئذٍ الموت بأن مات ناويا لفعلها ما أمكنه ، اُثيب على نيّته أبدا ، بل إن كان المنويّ هو الإيمان وما يتحقّق به من الأعمال ، خلّد بنيّته في ثواب عمله ؛ لأنّ النيّة من أعمال القلوب التي هي مقرّ العقائد وهياكل التوحيد التي لاتفنى ؛ لأنّ التوحيد الذي هي صفته لايفنى ، فهي حينئذٍ كلّيّة ومنويّها كلّي متحقّق معها .
ويدلّ على ثبوت استمرار الثواب والعقاب على استمرار ثبوت النيّات خبر أبي هاشم قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّما خلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللّه أبدا ، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يطيعوا اللّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء» ثمّ تلا قوله تعالى : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ»۱ .
والوجه أنّ تلك النيّات عمل القلب ، فهي كلّيّات ومنويّها كلّي لا يفارقها ، فهما دائمان ، وما استمرّ العمل استمرّ الجزاء ، وغيرُه من الأخبار.
وإن كان تركه لما نواه من الواجب لا لمانع قهري بل عصيان ، عُوقب على ذلك ، ولم يكتب له أجر النيّة وخصوصا إذا كان عن استخفاف بأوامر اللّه ؛ لأنّه أطفأ نور نيّته بتركه ما نوى من الواجب وعصيانه.
وإن كان ما همَّ به ونواه من الحسنة مندوبا ، فإن فعلها ، اُثيب على نيّته وعمله بفضل رحمة اللّه ، وإن لم يعملها ولم يكن تركه لها عن استخفاف وتهاون بأوامر اللّه ورغبةً عن ثوابه ، اُثيب على نيّته للحسنة ، واستمرّ ثوابه على نيّته إذا مات ناويا أنّه يعملها ما بقي .
1.المحاسن ، ج ۲ ، ص ۳۳۰ ، ح۹۴ ؛ الكافي ، ج ۲ ، ص ۸۵ ، باب النيّة ، ح ۵ ؛ علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۲۳، ح ۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۵۰ ، ح ۹۶. والآية في سورة الإسراء (۱۷) : ۸۴ .