ولذلك صرّح الخبر أنّ خلودهم ليس بمقتضى أعمالهم ؛ لانقطاعها ، والمنقطع لايقتضي المؤبّد ؛ لمنافاته للعدل ، ولأنّ جميع الأعمال البدنيّة الزمانيّة جزئيّات ، والجزئي محدود معدود منقطع ، وكذلك نيّاتها الجزئيّة منقطعة بانقطاع المنويّ ؛ فإنّ كلّ عمل جزئي له نيّة جزئيّة تختصّ به وتنطبق عليه ، وتساويه لا تزيد عليه ولا تنقص عنه ، فهي منتهية بانتهاء المنويّ ، منقطعة بانقطاعه ، بخلاف كلّي ذلك الجزئي ، فإنّه غير محدود ولا معدود ، وإلّا لم يكن كلّيا ، وذلك مثل أن تنوي أن تزني أو تصلّي أو تقتل أبدا ما بقيت ، فإنّه نيّة الجزئيّة منتهية بانتهاء عمل منويّها .
وأمّا العقائد والنيّات المستقرّة على الدوام في العمل ما أمكن وبقي محلّه من الدنيا ، والأخلاق والطبائع الأبديّة المستقرّة ـ ولو بالطبع وهي الكلّيّات ـ فإنّها كلّها لازمة للنفس الأمّارة والقلب المنكوس المختوم عليه ، المظلم بسبب تلك الأحوال التي هي من إمدادات الجهل المركّب الشقيّ المدبر أبدا ، فالنيّات إذن هي أعمال النفس الباقية ببقائها ، فإنّها من لوازم ذاتها ، فهم يحشرون على نحو عقائدهم ونيّاتهم المستقرّة ، فما أكثر الضجيج ، وأقلّ الحجيج ، ۱ فقلوبهم المظلمة المنتكسة لا تنفكّ عن تلك الأعمال ولا تزايلها ، فلا فناء لتلك النفوس ، ولا لصورها وموادّ وجودها ، ولا لأعمالها ؛ إذ لاتتوقّف أعمال النفوس على وجود الزمان والمكان ، ولأجل ذلك قلنا : إنّ النيّات حتّى في الأعمال الزمانيّة خارجة عن المكان والزمان ، ولا طائل في الخلاف في أنّها شرط أو شطر في الصلاة ، فإنّها إنّما هي رتبة من رتب وجود العمل الخارجي غيبيّة ، وإن قلّ من تنبّه لذلك من الفقهاء .
وأظنّ أنّ عبارة فاضل المناهج تشير إلى هذه .
وبالجملة ، فالمراد بالنيّات ـ التي يخلّد بها صاحبها ـ هي الكلّيّات اللازمة للنفس ، المتصوّرة بصورها ، المنطبعة بطبائعها ، ومنويّاتها كلّيّات لا يحدّها ولا يعدّها الزمان ولا المكان وهي لازمة لنيّاتها ، دون الجزئيّات المختصّ كلّ جزئي منها بجزئي من
1.مأخوذ من قوله عليه السلام : «ما أكثر الضجيج والعجيج وأقلّ الحجيج» انظر بصائر الدرجات ، ص ۲۹۱ ، ح ۶ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ۱ ، ص ۱۵۷ ، ح ۲۴۷.