الجزئي ، وهو يُثاب على همّه وعزمه ونيّته أبدا ، بل هو سبب الخلود إذا كان المنويّ يوجب الخلود. وذلك لأنّ النيّة من أعمال القلوب التي هي مقرّ الإيمان ، وتلك الألواح المقدّسة لاتفنى ولا ينقطع عملها ، ولذلك دام ثوابهم بلا انقطاع ، وخلّدوا بنيّاتهم.
وإن كان تركه الطاعة الواجبة لا لمانع قهري ، بل اختيارا منه ، عُوقب على نيّته ترك الطاعة.
وهل يُثاب لو نوى الواجبة ثمّ نوى تركها ولم يفعلها؟
الظاهر أنّه لا يُثاب ؛ لأنّه محا مادّة وجودها ، وطفى نورها بتركه لها ، فهو كمن رائى ، أو دخله العُجب آخر صلاته ، بل لا يمكن أن توجد النيّة الجزئيّة للفعل الجزئي إلّا بوجوده ، ولا الكلّيّة إلّا بوجود منويّها الكلّي ، وهو الصورة القائمة بالنفس ، فإن أعرض عن النيّة عدم المنويّ ؛ لأنّه لا تكون الإرادة إلّا بالمراد معها ، ولا وجود للمعلول بعد فناء علّته .
ويُحتمل أن يُثاب عليه في الدنيا لكنّه ضعيف جدّا .
وإن نوى فعلها ، ثمّ نوى تركها ، ثمّ ندم ورجع وفعلها ، اُثيب على نيّته السابقة واللاحقة ، واللّه غفورٌ رحيم ذو فضلٍ عظيم . فإن تحقّق معه الترك ، عُوقب أيضا على ترك الطاعة ، وإن رجع وندم عن نيّته لترك الطاعة الواجبة وتداركها مع الإمكان ، لم يُعاقب على تلك النيّة بفضل سعة رحمة اللّه .
وإن كان ما همَّ به ونواه فتركه مندوبا ، اُثيب على نيّته الفعل وإن لم يفعله ، بل لو نوى فعل الخير أن يفعله إن تمكَّن منه ، اُثيب ما بقيت نيّته ، ولو مات قبل أن يتمكّن مع بقاء نيّته أن يفعله ما تمكّن منه أبدا ، اُثيب أبدا ، فإنّ نيّته حينئذٍ كلّيّة ومنويّها كلّي لا يفارقها ، وهو الصورة الكلّيّة القائمة بالنفس ؛ أعني المشيئة ، ولم يُعاقب على تركه ؛ للإذن الشرعي في تركه .
وأمّا أن يكون المنويّ الذي همَّ به وعزم عليه فعل المعصية أو تركها ؛ فالأقسام بالنسبة إلى المعصية اثنان ، وكلّ منهما إمّا كلّي أو جزئي ، فإذا همَّ بالمعصية أي عزم على فعلها ونواه ، فإن صمّم عزمه ونيّته وفعل ما نواه ، كُتبت عليه سيّئة ، ولكن لاتستقرّ الكتابة ، وتكون بالفعل في جميع مراتب مصادرها إلّا بعد سبع ساعات. أمّا أنّها إنّما تُكتب سيّئة واحدة ، فبفضل رحمة اللّه التي سبقت غضبه ، ووسعت كلّ شيء ، ولأنّ