المعصية في الحقيقة عدم كمال ونقص وجود ، وظلمةٌ ، والعدم نقطة لا فاضل لها ، ولا رتب في نفسها وحقيقتها ، وإنّما المعصية نقص الوجود وظلمة ، والظلمة إنّما هي عدم النور ، والنقص إنّما هو عدم الكمال ، والعدم نقطة.
وأيضا المعصية صفة الجهل وممدّها الجهل ، فهو مبدؤها وإليه تعود ، وهو عدم ؛ لأنّه عدم العلم والعقل ، فإذا كان الأصل والعلّة عدما مجتثّا غير ثابت ـ لأنّه ليس من اللّه وإنّما هو من سجّين ويعود إليها ـ فهي عدم مجتثّة لا قرار لها كأصلها ، والفاعل لها هو الجاهل العاصي فعلها بما أنعم اللّه به عليه من القوى والآلة التي وهبها له المعبود بالحقّ ليعبده بها ، فاختار صرفها في المعصية .
انظر إلى الظلّ الفائض من الجدار بسبب إشراق نور شعاع الشمس على وجهه ، فإنّه شيء في مرتبته وليس بشيء في الحقيقة ، وإنّما هو عدم نور شعاع الشمس المشرق على وجه الجدار ، ظهر بسبب حيلولة كثافة إنّيّة الجدار وماهيّته بين نور شعاع الشمس وبين محلّه ، فهو في الحقيقة نقطة لا فاضل له ؛ لاستحالة أن يكون للعدم فضل يفيضه على مجاوره ؛ لأنّه لو فُرض له فاضل لكان إمّا أقوى منه وأشدّ عدميّةً وظلمةً ، فيثبت له من معنى حقيقة أصله وعلّته ما هو أشدّ فعليّة منه أو أضعف ظلمةً وعدميّةً ، وهذا لا يكون إلّا بممازجته وخلطه بشيء من النور والوجود ، وكلاهما محال ؛ لما يلزمهما من أشرفيّة الفرع على الأصل في تحقّق الحقيقة ، أو لباس الفرع كمالاً ليس هو لأصله ، فلا يكون منه ، فليس هو فرعه وقد فرض أنّه فرعه ، بل يلزم انقلاب الأصل فرعا في الوجهين.
وإن أسف على نيّته وهمّه بالمعصية ، لم يُكتب عليه إثمه ، ومحي من نفسه أثر تلك النيّة ؛ لأنّ ندمه توبة ، وبها يمحى أثر فعل المعصية فضلاً عن نيّتها .
وكذا لو أعرض عن فعلها ونيّتها ؛ لانصراف شهوته أو ذهوله ونسيانه ولم يفعل ، لم يكتب عليه شيء بفضل رحمة اللّه وَجُوده ، وَمحا إثم ذلك الهمّ والنيّة من نفسه ؛ لأنّه محا تلك النيّة من لوح نفسه ؛ فإنّ الحقّ أنّه يأثم على نيّة المعصية كما يُثاب على نيّة الطاعة ، ويزداد نور نيّة الطاعة ، وظلمة نيّة المعصية في نفسه ، ويدوم بقدر اشتداديتّه وتأكّد عزمه ودوام ذلك منه حتّى لو مات على نيّة أن يعصي أبدا ـ ولو خلّد أبدا ـ عذّب