شرح حديث "من همّ بحسنة ولم يَعملها..." - صفحه 167

دائما أبدا بتلك النيّة ، إلّا أن يكون مؤمنا ، فتتداركه شفاعة محمّد وأهل بيته صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين .
ويدلّ على ذلك الأخبار ، والاعتبار ، وقواعد العدل .
فأمّا الدليل على أنّه يُثاب على نيّة الطاعة كلّيّة وجزئيّة مع الفعل ، وكلّية ولو لم يعملها إن كان المنويّ مندوبا ، فكثير من الأخبار ، واجبا كان أو مندوبا ، أو تركه لمانع قهري مع بقائه على نيّة العمل ما تمكّن منه ، إلّا أن يكون ما نواه ولم يعمله واجبا تركه اختيارا ، فإنّ الظاهر أنّه لا يُثاب على تلك النيّة حينئذٍ ؛ لعدم ثباتها ، ولأنّها عملٌ باطل ، فإنّ شرط صحّة هذه النيّة أن يفعل المنويّ ، ولأنّه إذا نوى واجبا ثمّ عزم على تركه وصمّم ، أطفأ ظلام عزمه واستيلائه على نفسه نورُ نيّته السابقة ، بل تكون نفسه أشدّ ظلاما ممّا كانت عليه قبل تلك النيّة ، فإنّه حينئذٍ قد أثم واستحقّ العقاب إلّا أن يتوب ويرجع إلى اللّه ، فإنّ اللّه توّابٌ رحيم .
وأمّا نيّة المعصية ، فيُعاقب عليها بمقتضى قواعد العدل والأخبار الكثيرة ، وخصوصا إذا عمل ما نوى ، أو حال بينه وبين العمل مانع قهري مع بقائه على نيّة الفعل ما أمكنه ، بل عقاب هذه النيّة لا ينقطع ؛ لأنّها عمل القلب ما لم يندم على نيّته ويرجع عنها ، فإنّه يُثاب عليه ؛ واللّه توّابٌ رحيم .
وإذا كانت التوبة تمحو أثر فعل المعصية ، فمحوها لنيّتها أولى ، وكذا لو زالت نيّة المعصية عنه بذهول أو نسيان أو تغيير شهوته وانصرافها عن فعل ما نوى ، فإنّ مقتضى سبق الرحمة التي وسعت كلّ شيء أن لا يؤاخذ بمجرّد تلك النيّة ، ولعموم الخبر المبحوث عنه وأمثاله لذلك .
ومن الأخبار الدالّة على حصول الإثم والعقاب على نيّة المعصية مثل ما جاء عنهم ـ عليهم سلام اللّه ـ أنّهم قالوا : «نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله» . ۱

1.من المروايات التي رواها الخاصّة والعامّة ، رواها من الخاصّة الكليني في الكافي ، ج ۲ ، ص ۸۴ ، ح ۲ ، باب النيّة ، والصدوق في علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۲۳ ، ح ۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۵۰ ، ح ۹۵ ، و من العامّة الطبراني في المعجم الكبير ، ج ۶ ، ص ۱۸۵ ؛ والسيوطي في الجامع الصغير ، ج ۲ ، ص ۶۷۸ ، ح ۹۲۹۵ و ۹۲۹۶ ، والمتقي الهنديفي كنزالعمّال ، ج ۳ ، ص ۴۱۹ ، ح ۷۲۳۶ ، و غيرهم.

صفحه از 188