ومنها ما في الكافي بسنده عن عبداللّه بن موسى بن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال : سألته عن المَلَكين : هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟
فقال : «ريح الكنيف والطيب سواء؟».
قلت : لا .
قال : «إنّ العبد إذا همَّ بالحسنة خرج نفسه طيّب الريح ، فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنّه قد همَّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه ، وريقه مداده ، فأثبتها له ، وإذا همَّ بالسيّئة خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين : قم فإنّه قد همَّ بالسيّئة ، فإذا فعلها هو كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه» . ۱
فدلَّ على ترتّب طيب نفسه الدالّ على طيب نفسه واستنارتها ، ونتن نفسه الدالّ على إظلام نفسه وخبثها على الهمّ والنيّة ، والمراد بها العزم المتأكّد والنيّة المستقرّة ، ونتن النفس دليل على تحقّق الإثم والبُعد عن ساحة الرضوان والتحقّق بصفات أهل النار ، فما زال العبد عازما ناويا لفعل المعصية ، فنفسه منتن ونفسه مظلمة وإن حال بينه وبين فعل منويّه حائل قهري ما دام عازما على فعل المعصية ما تمكّن منه ، وذلك لوجود المقتضي ، وهو الهمّ الثابت المستقرّ من أجل غلبة النفس الأمّارة المظلمة المنتنة وهذا النَفَس خارج منها ، والمراد به مادّة حياتها وبقائها الذي يمدّها به الجهل المنتن المظلم بمقتضى الطبع الذي اقتضاه كفره .
نعم ، إن كان تركه للمعصية بعد الهمّ بها والعزم على فعلها عن رجوع وندم ، زال ذلك الأثر ، وإلّا تألّم بقدر قوّة ندمه وخلوص توبته ، فإنّ التوبة تمحو أثر فعل المعصية ، فلأن تمحو أثر نيّتها أولى بمقتضى وعد اللّه لمن تاب بالمغفرة والرحمة .
وكذا لو كان تركه لها عن إعراض وانصراف وشهوة ، ضعف أثر النيّة بقدر قوّة نيّة الإعراض وسببه ، وربما زال أثره رأسا بعمل طاعة وشبهها وإن لم يسبقه ندم ؛ بمقتضى
1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۲۸ ، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة ، ح ۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ، ۵۸ ، ح۱۲۰.