عدم شيء هو الكمال ، فهي كظلّ الجدار الحادث من إشراق نور شعاع الشمس على وجه الجدار ، فإنّه في مرتبته وبحسب الظاهر شيءٌ، وفي الحقيقة ليس بشيء ، وإنّما حقيقته عدم نور شعاع الشمس ، ولذا لم يكن له فضل ولا إفضال ولا فيض ، فهي مجتثّة من فوق أرض النفوس ، أي لا قرار لها لاجتثاث أصلها ، فلا معاد لها من الوجود والعقل القارّ الثابت ، والفاعل لها بما أنعم اللّه عليه به من الآلة التي وهبها له ليطيعه بها فعصاه بها ، وإنّما يهوي بها وبسببها في دركات الجحيم ؛ لأنّه بذلك لا يزال مدبرا عن الحقّ .
ومن ذلك يعلم حال الكفر ونيّته ، فهم يسحبون على وجوههم ؛ لأنّهم مدبرون عن الحقّ أبدا وقلوبهم منكوسة ، فليس لها ما تنتهي إليه من الحقّ ، فهذا معنى سحبهم على وجوههم ؛ أي مدبرين عن الحقّ .
ومن هنا يعلم أنّ الطاعة بعشر ، والمعصية بواحدة ؛ لأنّها نقطة لا تقبل التكثّر ، وأنّ ذلك مقتضى العدل .
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى الكلام على الخبر المبحوث عنه فنقول :
قوله عليه السلام : (إنّ اللّه تبارك وتعالى جَعَلَ) أي مَنَّ بفضل رحمته التي وسعت كلّ شيء ، وأنعم ووهب لآدم ؛ لأنّه كتب على نفسه الرحمة . والمراد بآدم هو أبو البشر ، أو آدم الأوّل ـ الذي هو أب لألف ألف آدم وما نسلوا ـ كلّ منهما معنى مراد ، وعلى كلّ منهما ، فهذا التفضيل والمنّ عامّ لجميع البشر .
ويدلّ على إرادة الثاني ما رواه القمّي في تفسيره من خبر المعراج عن أبي عبداللّه عليه السلام وفيه : «أنّ اللّه أوحى لحبيبه محمّد صلى الله عليه و آله : أنَّ مَنْ همَّ من اُمّتك بحسنة يعملها فعملها كُتبت له عشرة ، وإن لم يعملها كتبت له واحدة ، ومَن همَّ من اُمّتك بسيّئة فعملها كُتبت له واحدة ، وإن لم يعملها لم تُكتب عليه شيئا» . ۱ والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة بمعناه وأكثر ألفاظه.
وليس بين الخبرين منافاة ، فإنّ اُمّة محمّد من ذرّيّة آدم البشري ، ومحمّد صلى الله عليه و آله باب
1.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۱۲ ، ذيل تفسير الآية ۱ من سورة الإسراء ؛ بحارالأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۲۵۶ ، ح ۵.