ذكرناه من إحضار إحداهما بالبال للأمر به والائتمار أو النهي عنه والانتهاء ، وهذا قد مرّ تحصيل حكمه .
وأمّا نفيه الخلاف بين الاُمّة في هذا على الإطلاق ، ففيه ما لا يخفى على من تدبّر ما أسلفناه من التفصيل ، والاتّفاق على هذا الإطلاق ممنوع ، والسند ما ذكر من الأدلّة القاطعة .
وأمّا ما نقله عن بعض العامّة من اختصاص هذه الاُمّة بهذه الكرامة ، فباطل ؛ لما مرّ ، ولأنّ هذه الكرامة من مقتضى رحمة اللّه وعدله الذي عمّ جميع مخلوقاته .
ثمّ قال رحمه الله :
الثالث : العزم وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك .
وقد اختلفوا فيه ؛ فقال كثير من الأصحاب : إنّه لا يؤاخذ به ؛ لظاهر هذه الأحاديث .
وقال أكثر العامّة والمتكلِّمين والمحدِّثين ومنهم القاضي : إنّه يؤاخذ به لكن بسيّئة العزم ، لا بسيّئة المعزوم عليه ؛ لأنّها لم تفعل ، فإن قُبلت كتبت سيّئة ثانية ؛ لقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»۱ ، وقوله : «اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنْ الظَّنِّ»۲ .
ولكثرة الأخبار الدالّة على حرمة الحسد واحتقار الناس وإرادة المكروه بهم ، وحملوا الأحاديث الدالّة على عدم المؤاخذة على الهمّ . ۳
أقول : الظاهر أنّ هذا هو مقصود الخبر المقصود وأمثاله ، ومراده رحمه الله توطين النفس على فعل الطاعة وترك المعصية ، وهما من أقسام الطاعة ، أو على فعل المعصية ، وترك الطاعة ، وهما من أقسام المعصية ، ولكن توطين النفس على ترك المعصية ليس من باب النيّة في شيء ، وإنّما هو من الأخلاق المرضيّة ، والصفات الحميدة الناشئة من ارتياض النفس بالعقائد الحقّة المقرونة بالعلم والعمل ، وكذلك توطين النفس على ترك الطاعة ليس من باب النيّة في شيء ، وإنّما هو من باب الأخلاق الذميمة ، والصفات القبيحة الناشئة من الجهل وعبادة الهوى وإن تفاوتا شدّةً وضعفا .
1.شرح اُصول الكافي ، ج ۱۰ ، ص ۱۶۲.
2.النور (۲۴) : ۱۹ .
3.الحجرات (۴۹) : ۱۲ .