شرح حديث "من همّ بحسنة ولم يَعملها..." - صفحه 183

اختلاف بين الأخبار .
والدليل على هذا الجمع أنّه مقتضى العدل والرحمة ، فأدلّة العدل تقتضيه .
ثمّ قال رحمه الله :
فقلت له : لا منافاة بينهما ؛ إذ دلّ أحدهما على عدم المؤاخذة بنيّة المعصية إذا لم يفعلها ، ودلّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا فعلها ، فإنّ المنويّ كالكفر واستقراره مثلاً موجود في الخارج ، فهذه النيّة ليست داخلة في النيّة بالسيّئة التي لم يعملها . ۱
أقول : أمّا أنّه لا يؤاخذ بنيّة المعصية إلّا إذا فعلها ، فهو بإطلاقه ممنوع ؛ لما مرّ وخصوصا خبر التخليد بالنيّات ، فإنّه نصّ في أنّهم مؤاخذون بنيّاتهم بل مخلّدون بها إذا كان المنويّ ممّا يوجب الخلود ، مع أنّهم بعد الموت يستحيل منهم عمل المنويّ الجزئي الذي عناه بحسب الظاهر ، فإنّه جزئي من كلّي هو النيّة الكلّيّة لعمل نوع المنويّ ؛ لأنّه لايمكن تحقّق عمل المنويّ إلّا في الخارج ، والخارج لا يقع فيه الكلّي من حيث هو كلّي ، وإنّما يقع فيه جزئي من كلّيّه ، بل يختصّ وقوع العمل الجزئي ـ وهو المنويّ ـ بنيّة جزئيّة من النيّة الكلّيّة بالزمان . وفي الآخرة ـ التي هي مقام ظهور الثواب والعقاب ـ لا زمان ، فلا يمكن أن يقع ذلك الجزئي المنويّ فيها ، مع أنّه في الحقيقة إنّما نوى عمل المعصية الدنيويّة الزمانيّة في الدنيا والزمان وقد انطمست الدنيا وفنيت ، فلا يمكن أن يقع ما نوى أن يعمل فيها في غيرها ، وكلّ عمل جزئي له نيّة جزئيّة ، فإذن ما هم عليه من تلك النيّات ـ وإن بقي اتّصاف النفس وتلبّسها بها في الآخرة ـ ليس منويّها بمعمول في خارج الزمان وهو قد أناط الحكم به .
وقد دلَّ هذا الخبر على أنّهم مؤاخذون بها ، فليس إطلاق الشارح على ما ينبغي ، بل الحقّ التفصيل . فتخصيص ما دلّ على عدم المؤاخذة على النيّة بما إذا لم يفعلها بإطلاقه لا دليل عليه ، وليس فيه ما يدلّ على هذا الإطلاق .
وأمّا أنّه دلَّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا عملها ، فنحن أيضا نمنع دلالته

1.المصدر.

صفحه از 188