كذلك يجوز أن يُراد به عدم القول بعموم المقدرة الإلهيّة التي هي غناه كما قاله بعض القاصرين ، فإنّ منهم من قال بعدم قدرته تعالى على مقدور العبد عينه أو مثله ، إلى غير ذلك من الأقوال ، وكذلك منهم من نفى علمه عن الجزئيّات مثلاً.
والإسراف فيه إسداء الأسرار إلى غير أهلها ، وإذاعتها عند غير متحمِّليها ، وقد قالوا صلوات اللّه عليهم : «اُمِرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم» . ۱
وقال زين العابدين عليه السلام : «إنّي لأكتم من علمي جوهرة» . ۲ إلخ ، وهي مشهورة .
وما أسدوه لسلمان لم يبدوه لأبي ذرّ ؛ إذ لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله أو لكفّره ، ۳ إلى غير ذلك .
وفي مقابلة التقتير على المعنى الثاني لا أقول بعموم قدرته تعالى حتّى على إيجاد مثله ، أو على إعدام نفسه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا .
وبالجملة ، على المحال الذاتي الذي لا يشمّ رائحة الإمكان وذلك لقصور في القابل دون الفاعل ؛ ومثل ذلك يُقال : أيّ شيءٍ لا يعلمه اللّه ؟ فيُقال : لا يعلم له شريكا ، إلى غير ذلك .
بقي شيء ، وهو أن يُقال : قد ورد عنه صلى الله عليه و آله وسلم : «الفقر سواد الوجه في الدارين» ۴ و«لو مثّل لي الفقر لقتلته» ، فما معنى ذلك؟ وما التوفيق بينه وبين «الفقر فخري» كما مرّ؟
فأقول : لعلّ المراد بهذا الفقر المذموم الفقر في الدين وهو عين الكفر ، وترى الذين كفروا وجوههم مسودّة . فأمّا في هذه الدار فوجوه قلوبهم ، وفي الآخرة يظهر الباطن
1.الكافي، ج ۱، ص ۲۳، كتاب العقل والجهل، ح ۱۵؛ و ج ۸ ، ص ۲۶۸، ح ۳۹۴؛ المحاسن، ص ۱۹۵، ح ۱۷؛ الأمالي للصدوق، ص ۴۱۸، المجلس ۶۵، ح ۶ .
2.التحفة السنيّـة ، ص ۸ ، وقال الماحوزي في أربعينه ، ص ۳۴۵ : ممّا ينسب إلى مولانا زين العابدين عليه السلام هذه الأبيات :
إنّى لأكتم من علمي جواهرهكيلا يرى الحق ذو جهل
وانظر أيضا ينابيع المودّة ، ج ۳ ، ص ۱۳۵.
3.بصائر الدرجات ، ص ۴۵ ، الباب ۱۱ ؛ الكافي ، ج ۱ ، ص ۴۰۱ ، باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب ، ج ۲ ؛ بحارالأنوار ، ج ۲ ، ص ۱۹۰ ، ح ۲۵.
4.عوالي اللئالي ، ج ۱ ، ص ۴۱ ، ح ۴۱ ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۹ ، ص ۳۰.