حتّى هذا العامّ ، أو لا نسلّم العموم ، بل اللام للحقيقة من حيث هي على حدّ الرجل خيرٌ من المرأة ، وربّ امرأة خيرٌ من ألف رجل .
وفي طلب كونه صلى الله عليه و آله وسلمهاديا ثمّ نسبة الهداية له تعالى إشعار باستغراق فعله في فعل اللّه تعالى ، وأنّ الهداية في الحقيقة راجعة إليه ؛ فإنّ جعل نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم هاديا هدايةٌ منه تعالى ، قال اللّه تعالى : «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى» . ۱
ولمّا كان خروجه لعالم الكثرة على خلاف طبعه ، وإنّما وطنه الوحدة والتوحّد به تعالى ، رجع لوطنه المألوف الغالب عليه حبّه ، وحبّ الأوطان من الإيمان ، فطوى بساط الكثرة الذي تنفّس فيه قليلاً بقدر الضرورة فقال :
(اللهمَّ إنّي). وقد تقدّم الكلام على حسن التأكيد في فواتح الشرح .
(أسألُكَ). فطوى ذرّات الكائنات في ضميره المستتر عن أنظار العارفين بحيث لا يعرفه إلّا هو صلى الله عليه و آله وسلم ونفسه عليه السلام ومَن أوجدهما تعالى في قوله صلى الله عليه و آله وسلم : «يا عليّ ما عرف اللّه إلّا أنا وأنت ، وما عرفك إلّا اللّه وأنا ، وما عرفني إلّا اللّه وأنت» . ۲
(عَزِيمَةَ الرَّشَادِ) ، ولعلّ الإضافة من قبيل جرد قطيفة ، والمراد حينئذٍ الرشاد ، العزيمة مبالغة في العازم ؛ أي القاطع من قبيل : زيد عدل ، على حدّ قوله تعالى : «فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ»۳ ، وقد ورد مثله في قول الشاعر :
فأنت طلاق والطلاق عزيمةثلاث ومن يخرق أعقُّ وأظلمُ۴
والكلام في معناه ، ورواية رفع «ثلاث» ونصبه يُغني عن المغني ، ويكون نسبة الرشاد مجازا على حدّ عيشة راضية ، مع أنّها مرضيّة ، والرشاد أيضا معزوم عليه لا عازم.
وإنّما تكلّفنا ذلك لتحصيل المبالغة ، ولأنّ فعل العزيمة لازم يتعدّى ب«على» ، يُقال : عزمت على كذا عَزما وعُزما بالضمّ ، وعزيمة وعزيما : إذا أردت فعله وقطعت عليه .
وإن أبيت إلّا الظاهر حملتَ الإضافة على إسقاط حرف التعدية ، أي العزيمة على
1.الانفال (۸) : ۱۷.
2.مختصر بصائرالدرجات ، ص ۱۲۶ ؛ المحتضر ، ص ۷۷ ، ح ۱۱۳.
3.محمّد (۴۷) : ۲۱ .
4.انظر مغني اللبيب ، ج ۱ ، ص ۵۳ ، رقم ۷۳.