وأنت الوجود ونفس الوجودوما بك يوجد لا يحصرُ 1
وقد تحيّر أكثر العقلاء في إدراك وجه علاقته بمملكته وعالمه ؛ هل هو تعلّق الأوصاف بالموصوفات ، أو تعلّق الأعراض بالأجسام ، أو تعلّق المستعمل للآلة بالآلة ، أو المتمكِّن بالمكان ، أو تعلّق التدبير والتصرّف؟
فذهب لكلّ فريق وأخذ ، المحقّقون بالأخير ، وما ينبّئك مثل خبير ، فعنهم عليهم السلام : «مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه» . 2
ولاشكّ أنّ علاقته تعالى بنا إنّما هي علاقة التدبير ، وحيث يطلق القلب في الكتاب والسنّة ـ التي هذا الدعاء منها ـ فإنّ المراد به هذا المعنى ، قال تعالى : «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» 3 .
وقد يُعبّر عنه تارةً بالنفس ، واُخرى بالروح ، والإنسان هو المدرك العالم العارف المخاطب المعاتب المطالب ، ولمّا كان له قبول الإشراق والظلمة كالمرآة الصافية ـ التي تنطبع فيها الصور والأشكال المقابلة لها ، وتقبل الفساد ، وتبعد من الأعداد بسبب العوارض الخارجيّة المنافية لجوهرها ـ قيّده صلى الله عليه و آله وسلم بالسلامة المطلقة ، فلعلّه أراد السلامة من التعلّق بغير اللّه تعالى سبحانه ، كما ورد عن الصادق عليه السلام سأله في قوله تعالى : «إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» 4 ، قال : «عن كلّ ما سواه» . 5
ولاشكّ أنّ ما سواه عوارض كدرة ، فإذا السلامة عن تلك العوارض فقد سأل قلبا صافيا من الكدر والرين ، فإنّه إذا كان مشرقا مستنيرا وصل بالأخَرة إلى حدّ تحصل فيه جليّة الحقّ ، وتنكشف فيه حقيقة الأمر .
وقد ضرب للآثار المذمومة الواصلة إليه ، المانعة له عن الاستنارة والإشراق مَثَل هو
1.انظر الصافي ، ج ۱ ، ص ۷۸ ، في تفسير الآية ۲ من سورة البقرة ؛ و الأنوار العلويّة للنقدي ، ص ۴۸۸ ؛ المبدأ والمعاد لصدر الدين الشيرازي ، ص ۲۲۷.
2.عوالي اللآلي ، ج ۴ ، ص ۱۰۱ ، ح ۱۴۹ ؛ بحارالأنوار ، ج ۲ ، ص ۳۲ ، ح ۲۲.
3.الحجّ (۲۲) : ۴۶ .
4.الصافات (۳۷) : ۸۴ .
5.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۶ ، باب الإخلاص ، ح ۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۶۰ ، ح ۱۲۷ ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۷ ، ص ۵۴ ، ح ۱۹.