شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 196

قبسٌ من تلك المشكاة المنيرة ، فتناوله بيد غير قصيرة.
قال في الفقيه : وكان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يقول إذا فرغ من صلاته : اللهمَّ.
اعلم أنّ في اختياره صلى الله عليه و آله وسلم نداءه تعالى بهذا الاسم الأعظم بعد كونه الاسمَ الأعظم ـ كما هو في كثير من الأخبار ـ نكاتٍ :
الاُولى : أنّه عقيب الصلاة ، ولمّا كانت الصلاة من أعظم الطرق إليه ومسافة تؤدّي للوفود عليه تعالى ، فكانت مشتملة على الثناء عليه بنعوته الجميلة ، وشكره على نعمه الجزيلة ، وقد كان المصلّي قد قطع مسافة الصفات ، ناسب قربه لاسم الذات ، الجامع جميع الصفات ، فناداه باسمه الجامع ، وجعله وسيلة لإنجاح المطامع .
الثانية : أنّ نداءه به عقيب الصلاة لمناسبة الابتداء به فيها أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلأنّ نداءه تعالى مجازي ، فنداؤه ثناء عليه ، لا طلب الإقبال منه .
الثالثة : أنّ المقام مقام التوحيد ، ولهذا افتتح الصلاة بالتكبير ، وورد أنّ معناه : اللّه أكبر من أن يُقال له : أكبر . ۱ وعلّة ذلك أنّ وصفه بالأكبريّة من أحد ـ مع ما فيه من إبهام الصفة ـ تغايرها مع الموصوف ، فيجيء التعدّد بتحقّق كبير في الجملة ، مع أنّ الكِبَر والعظمة أمر وحداني لايوصف به غيره في الحقيقة ، وختمت بالتشهّد والتوحيد فيه ظاهر ، وعلى تقدير جزئه السلام فمعناه سلامة المصلّي من آفات تلك الطريق ، وأعظمها الشرك الخفيّ ، فناسب أن يكون التعقيب بما يشعر بالتوحيد ، وهو نداؤه بالاسم الجامع الذي تتّحد لديه الصفات .
الرابعة : أنّ في ندائه بصفة دون صفة إنّما يناسب حال غير نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم ، فإنّ المنادي في نداه والمثنّي في ثناه يطلب لسان حاله شفعا لمقالة التحلّي بتلك الحلية ، والتخلّق بذلك الخلق الإلهي ، وفي الحديث : «تخلّقوا بأخلاق اللّه » . ۲
وفي آخر بمعناه «إنّما يجاب الداعي على قدر ما فيه ممّا يطلب ، فإنّما يُرحم من

1.انظر التفسير الكبير ، ج ۱۵ ، ص ۷۱ ، في تفسير الآية ۱۸۰ من سورة الآعراف.

2.بحارالأنوار ، ج ۵۸ ، ص ۱۲۹ ؛ التفسير الكبير ، ج ۷ ، ص ۷۲ ؛ تفسير الآلوسي ، ج ۳۰ ، ص ۱۷۵.

صفحه از 280