شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 197

يَرحم» ۱ إلى غير ذلك ، ولمّا لم يتيسّر لأحد أن يتحلّى بكلّ تلك النعوت ، ناسب أن ينادي حسب طاقته ، ونبيّنا صلى الله عليه و آله وسلممظهر اسم الذات الجامع لجميع الصفات ، فيطلب وهو فيما يطلب التحلّي بجمع الجمع ، فذكر إحدى الصفات دون الاُخرى لا لعلّة ترجيح من غير مرجّح ، وفي سردها جميعا ـ وإن كان إطالة الكلام مع المحبوب محبوبا ـ إيهام التعدّد ، أو أنّه كان في مقام لا يسعه إلّا اللّه كما في بعض الأخبار عنه صلى الله عليه و آله وسلم ، وهذه النكتة الرابعة ممّا تخصّه صلى الله عليه و آله وسلم .
الخامسة : مزيّته على ما عداه من الأسماء من حيث إنّه مع تنقيصه حرفا حرفا يبقى منه ما يدلّ عليه وزيادة ، فإذا حطّت الهمزة بقي «للّه » وللّه كلّ شيء ، واحدى اللامين له كلّ شيء ، والاُخرى يبقى الهاء ، وهو الضمير الدالّ على الهويّة وهو هو ، وإنّما الواو من مواليد الضمّة ، وفي بعض الأخبار : أنّه الاسم الأعظم ، وفي بعض الأدعية : ياهو. ۲ وهنا أسرار اُخر لا يليق بها هذا المختصر .
وأمّا اختياره صلى الله عليه و آله وسلم نداءه بالعوض ، ففيه من الأسرار ـ مع الإشارة إلى أنّه لا ينادى على الحقيقة ؛ إذ ليس في جهة دون جهة ، بل ليس في جهة هو أقرب من حبل الوريد ـ الاهتمامُ بذكره ، والإيماء إلى أنّه ليس بين الداعي وبينه حجاب ، وحرف النداء حجاب لفظي يشعر بالحجاب المعنوي ، هذا إذا كان الداعي كأحدنا .
وأمّا باعتبار الداعي الخاصّ وهو نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم ، فليس بين ذاته وبين خالقه توسّط خلق ، بل هو أوّل ما خلق اللّه ، وأبدعه من خزانة قدرته ، وبه صرّحت الآثار الصحيحة ، فأشار صلى الله عليه و آله وسلمفي دعائه لمقامه الوصلي بمعنى رفع الحجاب الذاتي ، ومنع توسّط مخترع آخر .
فإن قيل : حذف حرف النداء عربيّ وفي حذفه نستشعر هذه الأسرار .

1.و في الحديث عنه صلى الله عليه و آله هكذا : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قبّل حسنا ، فقال له الأقرع بن حابس : لقد ولدي عشر ما قبّلت واحدا ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «لا يُرحَم من لا يَرحَم». انظر مسند الحميدى ، ج ۲ ، ص ۴۷۱ ، و شرح مسلم للنووي ، ج ۱۵ ، ص ۷۶.

2.انظر بحارالأنوار، ج ۳، ص ۲۲۲.

صفحه از 280