شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 199

وخاطبه بما أحبّ سبحانه حيث قال في الحديث القدسي : «يا عبدي أطعني أُطعك» ۱ فلهذا أتى صلى الله عليه و آله وسلم بصيغة يشمّ منها رائحة الأمر ، فتأمّل لي طوى صلى الله عليه و آله وسلم في صحيفة ذاته الجامعة صفحات ذوات الكائنات ممّن له أهليّة الطيّ ؛ أعني من أبدعوا من طينته ، وتشعّبوا من أشعّة نوره ، فاختار صلى الله عليه و آله وسلمضمير المتكلِّم وحده ، فلا تُسئ ظنّك بنبيّك الأشفق عليك من نفسك حيث لم يشركك في دعائه وقد أمروا به صلوات اللّه عليهم في خلال الأخبار ؛ ففي الفقيه : «من صلّى بقومٍ فخصّ نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم» . ۲
والدعاء يعمّ التعقيب .
ووجه آخر وهو أنّه صلى الله عليه و آله وسلم حمّل نفسه ذنوب اُمّته ، فاستغفر لنفسه ، وبالأخرة هو للاُمّة على حدّ : «أرني أنظُر إليك»۳ مع إجلاله ربّه عن الرؤية والمقترح عليه قومه ، وهذا أحد الوجوه المذكورة لتنزيه المعصوم عن نسبة الذنب المبين .
ومنها : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» . ۴
ويوضحه أنّ سكون النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في مقام معاشرة الأزواج ـ مثلاً ـ وإن كان أمرا مندوبا بل واجبا ، إلّا أنّ ذلك ينافي الحركة في حقيقة الاستغراق ، وهو الفرد الأكمل المعهود من مقاماته ، فأين السرور بالنساء الحور من التلاشي بكلّيّة الذات والصفات في مقام القُرب وعزّ الحضور؟ وأين النساء والطيب من قرّة عينه بمناجاة الحبيب؟ فذلك المقام بالنسبة لهذا يعدّ ذنبا وهكذا .
ومنها : الترقّي في المعارف الإلهيّة والاستطلاع على الأسرار اللاهوتيّة ؛ فإنّ العارف الحقيقي لايقف في معرفة ، بل كلّما رقى رتبة أشرقت عليه اُخرى أغمض وأعلى ، فيعدّ مقامه الأوّل ذنبا وميتا ، مع أنّه في كلّ مقام على نحوٍ من اليقين بحيث لو كشف الغطاء ما ازداد يقينا .

1.شجرة طوبى، ج ۱، ص ۳۲، المجلس الثاني عشر؛ رجال السيّد بحر العلوم، ج ۱، ص ۳۹.

2.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۲۶۰ ، ح ۱۱۸۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۱۰۶ ، ح ۸۸۶۳ .

3.الأعراف (۷) : ۱۴۳.

4.كشف الخفاء، ص ۳۵۷.

صفحه از 280