شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 200

ومنها : أنّ مثل العارف يرى نفسه في نفسها باطلة متهافتة ، وإنّما قوامها بباريها ، وعملها الطاعة بقوّة مُبديها ، فكلّما أحدث شكرا لزمه شكر على شكره ، وكلّ ذلك دون استحقاق من صوّره وأقدره ، وبكيفيّة شكره أعلمه وأخبره ؛ فأنّى يبرأ العبد من التقصير؟ وأنّى يقوم بما يستوجبه اللطيف الخبير؟
وأمّا التوجيه بفعل المكروه ، فيجلّ مقام نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم ومقام آله عن ذلك ، وإن أمكن بالنسبة لسائر الأنبياء عليهم وعلى نبيّنا وآله الصلاة والسلام .
(ما) ، أي ذنبا ، وأبهم تعظيما وتهويلاً على حدّ فغشيهم من أليم ما غشيهم ، وإيذانا بأنّ ذلك الذنب ليس بذنب حقيقي ومعصية صِرفة منه ، بل على حدّ الوجوه المذكورة أو ما شاكلها . ويؤيّده قوله فيما بعد : «أنت المقدّم» فنسب لربّه ما نسب لنفسه على نحوٍ غامض كما سيأتي .
(قَدّمْتُ) ، أي قدّمته قبل دعائي هذا ، أو قدّمته في عالمي القديم : أعني العقلي أو النفسي مثلاً ، وقِدَمه باعتبار مقابله من جملة التأخّر ، أو قدّمته أُمّتي من لدن آدم إليّ ، فإنّ جميع الأنبياء من اُمّته ـ فضلاً عن اُممهم كما روي ـ ممّا جاء في الذكر الحكيم : «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَاءِبْرَاهِيمَ»۱ .
وهم في عصرهم نوّابه وخلفاؤه ، يشير إلى ذلك قوله تعالى : «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»۲ وأمثاله ، ولعلّه صلى الله عليه و آله وسلم أشار بحذف الضمير العائد على الموصول أو الموصوف إلى أنّ ذلك ظاهر لديك ، ولا غيبة هناك سواء في ذلك المتقدِّم والمتأخّر.
وقس على وجوه «ما قدّمت» قوله :
(وَما أخَّرْتُ) ، فإمّا أخّرته عن دعائي هذا ، أو أخرجته في العالم الآخر وهو العالم الجسماني الملكي ، أو ذنوب اُمّتي ممّن كان بعدي ، فطلب منه سبحانه غفران ذنوب جميع اُممه اللاتي لها أهليّة ذلك سبقوه في الوجود الظاهر أو لحقوه .
(وَما أسْرَرْتُ وَما أعْلَنْتُ) ؛ أي كتمته عن غيرك أو أظهرته ؛ إذ لا يصحّ الإسرار عنه

1.الصافات (۳۷) : ۸۳ .

2.البقرة(۲) : ۳۰ .

صفحه از 280