تعالى ؛ فإنّه المطّلع على خافية الأعين وما تُخفي الصدور ، أو عملته بسرّي ، أي بنفسي من الأعمال القلبيّة، ومنه قدس سره وهو عالم السرّ ، أي الخافي حقيقة على ما في عالمنا هذا ، ومنه يؤخذ العلانية ، أي بجوارحي الظاهرة والباطنة التي يجمعها هذا الإهاب البدني الظاهر والقشر البارز ، ومنه يقتنص وجه آخر للتقسيم وهو حمله على معاصي القوى الباطنة كالخيال الفاسد مثلاً ، والقوى الظاهرة وهو ظاهر .
(وإسْرافي). عدل عن الإبهام إلى التصريح فلم يقل «وما أسرفت» لعدم تحقّق الإبهام ؛ لظهوره من الصلة ، فالسبك أولى ؛ إذ فيه نوع من الانقطاع من حيث إنّ فاعل المصدر ليس على حدّ الفعل من القدرة والقوّة ؛ إذ يكفي في فاعل المصدر أدنى ملابسة .
والإسراف أصله تعدّي الحدّ في طرف الزيادة ، ويعبّر عنه بالإفراط ، ويقابله التفريط ، ولا بأس لو استشعر إرادة الأعمّ وهو عدم الوقوف على الحدّ الشرعي ، فإنّه يكفي به عن الذنب ، سواء كان ترك واجب أو إتيانا بمحرّم .
(عَلى نَفْسي) . أشار بحرف العلوّ إلى أنّ من شأنها أن لا تقبل التلوّث بالذنب ، وإنّما يلحقها ذلك حيث يغلب عليها سلطان الجسم والجسمانيّات من الشهوة والغضب ، فيصير المولى عبدا ، والآمر مؤتمرا ، فتقع في المهالك .
وشبّهت النفس بالمركب ، والعقل بالراكب ، والشهوة بالكلب ، فإن كان زمام الاختيار بيد الكلب فإنّه يميل بهما نحو الجيف في أيّ وادٍ كانت ، وأيّ مهمّة يشمّ منها رائحة ذلك ، وهو لا يقصد وصول المنزل بالسلامة ، وإن كان الزمام بيد الراكب فإنّه لا يعدل عن سوى الطريق ، ويستريح الراكب والمركب ، والكلب لابدّ أن يتبعهما ، فلا ينال من الجيف شيئا ، بل إذا أشفق عليه الراكب أطعمه من فضلات طعامه الطاهر ، وهو مثَل ظاهر .
ولمّا فصّل صلى الله عليه و آله وسلم تلك الذنوب في الجمل المتعاطفة ، وأجملها مرّة اُخرى في المعنى المصدري الصريح بعد الإبهام إشارةً إلى أنّ كلّ غائب ظاهر لديه تعالى ، أبهمها اُخرى مجتمعة في قوله :