(وَما أنْتَ أعْلَمُ بِه مِنّي) عودا على البدء إشارة إلى فناء الظاهر وعوز الظاهر بغفرانه «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ»۱ واعترافا بقصوره عن إحصائها والإحاطة بها.
وفي اختيار إفراد الضمير ـ مع أنّ مراعاة المعنى عربي أيضا ـ لعلّه إيماء إلى توحيد الأفعال ، وبعبارة ظاهريّة إلى بيان الجنس وهو نفس الإسراف وتعدّي الأمر أمرا ونهيا ، واسميّة الصلة تشير إلى تحقّق الأعلميّة وثبوتها ، حيث إنّ علمه تعالى واجب على حدّ وجوده ؛ إذ هو هو بخلاف الممكن.
ومنه يقتنص وجه آخر للأعلميّة ، ووجه آخر لتوحيد الضمير حيث إنّ علمه واحد ، ومعلومه من حيث عالميّته واحد ، وأنّه لايسبق فيه شيء شيئا واحد . ولمّا عرج صلى الله عليه و آله وسلممن مقام نسبة أفعاله لنفسه إلى مقام اضمحلال تلك النسبة باضمحلال المنتسب إليه وهو مقام الاستغراق في مقام المشيئة الربّانيّة «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ»۲ ، «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى»۳ ، ناسب نداءه تعالى ثانيا إيذانا بتغاير المقامين ، فقال :
(اللهمَّ) . حيث قد عرفت أنّ ذنوبه صلى الله عليه و آله وسلم ـ التي طلب من اللّه سترها ـ إنّما هي حسنات مقام الأبرار ، أو معارف نازلة بالنسبة لما عرج إليه من الأسرار ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّه يران على قلبي ، فأستغفر اللّه في كلّ يوم سبعين مرّة» . ۴
والرّين ، لعلّه السكون ؛ لمعاشرة الأزواج أو تبليغ الرسالة ؛ فإنّ فيها سياسة الحكم وهي في نفسها نور ، ولكن بالنسبة لما ينفرد به إلى ربّه حجاب وظلمة وأمثال ذلك ، صحّ له نسبة ذلك الذي يعدّه ذنبا لمن يناجيه بقوله :
(أنْتَ المُقدِّمُ) ، بتقديم المسند إليه إيذانا بقصر المسند عليه ، أي أنت المقدّم لما
1.القصص (۲۸) : ۸۸ .
2.الإنسان (۷۶) : ۳۰ .
3.الأنفال (۸) : ۱۷ .
4.المجازات النبويّة ، ص ۳۹۰ ، ح ۳۰۶ ؛ درراللآلي ، ج ۱ ، ص ۳۲ ؛ مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۲۱۱ ، و قال العلّامة المجلسي في البحار ، ج ۲۵ ، ص ۲۰۴ : «ولفظة السبعين إنّما هي لعدد الاستغفار لا إلى الرين». في الكلّ : «ليغان» بدل «يران».