شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 202

(وَما أنْتَ أعْلَمُ بِه مِنّي) عودا على البدء إشارة إلى فناء الظاهر وعوز الظاهر بغفرانه «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ»۱ واعترافا بقصوره عن إحصائها والإحاطة بها.
وفي اختيار إفراد الضمير ـ مع أنّ مراعاة المعنى عربي أيضا ـ لعلّه إيماء إلى توحيد الأفعال ، وبعبارة ظاهريّة إلى بيان الجنس وهو نفس الإسراف وتعدّي الأمر أمرا ونهيا ، واسميّة الصلة تشير إلى تحقّق الأعلميّة وثبوتها ، حيث إنّ علمه تعالى واجب على حدّ وجوده ؛ إذ هو هو بخلاف الممكن.
ومنه يقتنص وجه آخر للأعلميّة ، ووجه آخر لتوحيد الضمير حيث إنّ علمه واحد ، ومعلومه من حيث عالميّته واحد ، وأنّه لايسبق فيه شيء شيئا واحد . ولمّا عرج صلى الله عليه و آله وسلممن مقام نسبة أفعاله لنفسه إلى مقام اضمحلال تلك النسبة باضمحلال المنتسب إليه وهو مقام الاستغراق في مقام المشيئة الربّانيّة «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ»۲ ، «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى»۳ ، ناسب نداءه تعالى ثانيا إيذانا بتغاير المقامين ، فقال :
(اللهمَّ) . حيث قد عرفت أنّ ذنوبه صلى الله عليه و آله وسلم ـ التي طلب من اللّه سترها ـ إنّما هي حسنات مقام الأبرار ، أو معارف نازلة بالنسبة لما عرج إليه من الأسرار ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّه يران على قلبي ، فأستغفر اللّه في كلّ يوم سبعين مرّة» . ۴
والرّين ، لعلّه السكون ؛ لمعاشرة الأزواج أو تبليغ الرسالة ؛ فإنّ فيها سياسة الحكم وهي في نفسها نور ، ولكن بالنسبة لما ينفرد به إلى ربّه حجاب وظلمة وأمثال ذلك ، صحّ له نسبة ذلك الذي يعدّه ذنبا لمن يناجيه بقوله :
(أنْتَ المُقدِّمُ) ، بتقديم المسند إليه إيذانا بقصر المسند عليه ، أي أنت المقدّم لما

1.القصص (۲۸) : ۸۸ .

2.الإنسان (۷۶) : ۳۰ .

3.الأنفال (۸) : ۱۷ .

4.المجازات النبويّة ، ص ۳۹۰ ، ح ۳۰۶ ؛ درراللآلي ، ج ۱ ، ص ۳۲ ؛ مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۲۱۱ ، و قال العلّامة المجلسي في البحار ، ج ۲۵ ، ص ۲۰۴ : «ولفظة السبعين إنّما هي لعدد الاستغفار لا إلى الرين». في الكلّ : «ليغان» بدل «يران».

صفحه از 280