شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 203

قدّمت أنا من تلك الاُمور :
إمّا بمعنى أمره تعالى له صلى الله عليه و آله وسلم بالتنزّل عن مقامه ـ الذي لايسعه فيه غير ربّه ـ إلى مقام المعاشرة مع الخلق على حدّ قوله : «أدبر» أي اهبط إلى عالم الغرور لإنقاذ أهل ذلك العالم وإخراجه من الظلمات إلى النور «فأدبر» بعد أن رقاه إلى عزّ الحضور وموطن السرور بقوله : «أقبل فأقبل» . ۱
وإمّا بمعنى انتهاء أسباب الفعل إلى سبب الأسباب ومسبّبها من غير سبب ، أو أنّه صلى الله عليه و آله وسلم نظر نفسه مع جميع قواها مستهلكة فانية ، فلا تقدر على إيجاد شيء ، فنسب الإيجاد له تعالى على تقدير أن تكون الذنوب ذنوبه صلى الله عليه و آله وسلم .
وإمّا على تقدير كونها ذنوب اُمّته ، فحيث فيها ما لايصحّ نسبته له تعالى ، فلعلّ المراد أنت الذي حمّلتني ذنوبهم القديمة والمتأخِّرة من حيث إنّه جعله صلى الله عليه و آله وسلمنفس الكلّ .
واعلم أنّه صلى الله عليه و آله وسلم قد طوى المقام الوسط ـ وهو نسبة الفعل للمباشر والسبب على سبيل الشركة كما هو واضح ـ من ترقّي الخضر بموسى حيث قال : «فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا»۲ ، ثمّ «فَأرَدْنا»۳ ثمّ «فَأرَادَ رَبُّكَ» ؛ ۴ لأنّ الخضر وأمثاله من مظاهر الصفات ، بل من مظاهر مظاهرها بوسائط فقصاراه الاستغراق في صفةٍ كالربوبيّة ـ مثلاً ـ بعد وسائط ، فهو إنّما يفنى شيئا فشيئا ، فحصل له مقام الشركة .
وأمّا نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم فإنّه مظهر الذات الأحديّة الجامعة لجميع الصفات ومَن لا يشغله شأنٌ عن شأن ، ولهذا خاطبه بما يدلّ على الذات ، فهو ينظر نفسه تارةً موجودة ، وتارةً فانية من غير توسّط شركة فيفنى دفعة ، وما أوضح الفرقَ بين مقام استغراق الخضر واستغراقه ، مع أنّه ربما يقال : إنّ الخضر لم يستغرق ، بل ذكر مقام استغراق موسى كماترى ، وما ذكرناه ـ من حمل «أنت المقدّم» على تقدير «ما قدّمت» لعلّه أوفق بالعبارة من حمله على مطلق التقديم والتأخير في الخلق ؛ لعدم الربط .

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۰ ، باب العقل والجهل ، ح ۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۳۹ ، ح ۶۳.

2.الكهف (۱۸) : ۷۹ .

3.الكهف (۱۸) : ۸۱ .

4.الكهف (۱۸) : ۸۲ .

صفحه از 280