وأمّا قراءته بالمبنيّ للمفعول فساقط ؛ لأنّه مع عدم الربط يستهجن نسبة القدم إليه بتقديم مقدّم ، وفي الحديث «مستتر غير مستّر» ، ۱ وعلى الحقيقة ممتنع ، ولا يتمشّى في قوله :
(وَأنتَ المُؤخِّرُ) وإن ورد كونه آخِرا ، وقس معنى هذه الجملة على ما قدّمنا في «أنت المقدّم» وبعد أن سكن صلى الله عليه و آله وسلم في مقام توحيد الأفعال تلاشى عنده الفعل فأغمض عنه ، ورقى إلى توحيد الصفات التي هي أسباب الفعل ، وطوى سائر الصفات في صفة الأُلوهيّة ؛ لاندراجها فيها ، وبانتفائها عن أحد شقّي سائر الصفات الواجبة ، فمن قوله :
(لا إلهَ إلّا أنْتَ) . يستنبط : لا عالم إلّا أنت ، ولا قادر إلّا أنت ، إلى غير ذلك ؛ ففيه توحيدان : توحيد الصفات في صفة الأُلوهيّة ، وتوحيد الأُلوهيّة له تعالى بنفي الجنس وحصره في الفرد الخاصّ ، ومن هذا التوحيد يعرج إلى توحيد الذات ؛ إذ لو كان واجب وجود بالذات غيره لاستحقّ الإلهيّة معه ، فإنّ وجوب الوجود يستلزم العلم والقدرة والإرادة وسائر الصفات التي يستحقّ بها الواجب الإلهيّةَ ، فاستحقاق أحدهما لها دون الآخر ترجيح من غير مرجّح ، فقوله : «لا إله إلّا أنت» يفيد فائدةَ «لا واجب إلّا أنت» .
وبعبارة أدقَّ : لا موجود إلّا أنت ، بل لا وجود إلّا أنت ؛ إذ كلّ شيء هالك إلّا وجهه ، فلا حقيقة لسواه ، وهو التوحيد الذاتي الصرف . ويترجّح التوحيد بالخطاب على التوحيد بدونه ، كما في لا إله إلّا اللّه بأنّ في الخطاب توحيدَ الذات ظاهرا بمعنى أنّه لو كان هناك مخاطب غيره لكان أنت مبهما من حيث وضعه العامّ .
وفي الكلمة الاُخرى توحيد شخص معهود بصفة الأُلوهيّة ، وفرق بين لا واجب سواه ، ولا موجود سواه .
فإن قيل : هَبْ أنّ التوحيد الخطابي يشعر بما ذكرتم ، فكيف هذا مع ملاحظة
1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۱۲ ، باب حدوث الأسماء ، ح ۱ ؛ التوحيد ، ص ۱۹۱ ، باب أسماء اللّه ، ح ۳ ؛ بحارالأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۶۶ ، ح ۸ .