شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 205

المتكلِّم نفسه شخصا يتكلّم ؛ لضرورة وجود المتخاطبين في مقام التخاطب؟ فأين هذا من التوحيد في الذات؟
قلنا : إذا نفى الموحّد موجودا سواه تعالى فقد نفى نفسه ؛ لاشتراكه مع غيره في حدّ الإمكان المستدعي لكونه غير الوجود ، فيؤول إلى توحيد الواحد تعالى نفسه ؛ إذ توحّده إيّاه توحيده ، وهذه الإشارة لا تفي بها العبارة .
وبعد أن عرج صلى الله عليه و آله وسلم من مقام الإدبار ـ وإن كان من الكمال ـ إلى مقام توحيد الأفعال ، ومنه إلى توحيد مقام الصفات ، ومنه اقتنص توحيد الذات وهو عين الإقبال ، تنزّل مرّة اُخرى حسبما اقتضاه الأمر بالإدبار ؛ لتصحيح طرق الاستدلال بالهداية لنعوت الجمال والجلال ؛ شفقةً منه على أهل هذا العالم وعالم المثال ، فطلب منه تعالى الحياة وهي في الظاهر بقاؤه في عالمه هذا ، وأقسم عليه بعلمه وقدرته على حدّ الباء في قوله :

بربّك هل ضممت إليك ليلىقبيل الصبح أو قبّلت فاها۱
واختار صلى الله عليه و آله وسلمهاتين الصفتين لاستناد الفعل إليهما ، وما بقي من الأسباب الحقيقيّة للفعل إلّا الإرادة ، وهي في الحقيقة داخلة في القدرة ؛ فإنّها تستلزم الاختيار .
وأمّا ما يوجد في العبارات : «قادر موجَب ، وقادر مختار» فهو تهافت ، والحقّ تقسيم الفاعل لموجب وقادر . ويظهر ذلك من شرح حقيقة القدرة ، والاختيارُ يستلزم الإرادة في الفعل ، والمختار لا يفعل إلّا ما يريد ، وقدم العلم للقدمة طبعا وإن كان الكلّ راجعا للذات. والاستشفاع حقيقة بالذات في قوله :
(بعِلْمِكَ الغَيْبَ) نصب على المفعول بالمصدر ، أو بالجرّ على أنّه صفة العلم . والغيب بمعنى الغائب ، أي عن الخلق ، والكلّ شهودٌ لديه .
(وَبِقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ) أي المخلوقات ، ولهذا أكّده بصيغة الجمع ، فقال : (أجْمَعِينَ) ردّا على من منع عموم قدرته ، وليس مكان الكلام على ذلك .
وفي شرحنا لدعاء السمات شيء منه.

1.انظر الوافي بالوفيات ، ج ۲۴ ، ص ۲۲۵.

صفحه از 280