شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 206

ولمّا كان مراده صلى الله عليه و آله وسلم فيما طلب ما تقتضيه الإرادة الإلهيّة من الأصلح [...] مسلّم له تعالى في جميع اُموره ، شرط في طلبه الحياةَ الأصلحيّةَ بقوله :
(ما عَلِمْتَ الحياةَ خَيرا لي فَأحْيِني) وقدّم الشرط على المشروط اهتماما به ، وتوقيت للعلم بمعنى توقيت المعلوم وباعتباره ، وإلّا فإنّ علمه تعالى أزليّ ، مبرّأ عن الزمان ، سابق عليه وبه وبالذات ، والخير ممّا فيه معنى التفضّل دون لفظه .
وعلى الاهتمام ومحبّته صلى الله عليه و آله وسلم للقاء ربّه والتنزّه عن دار الغرور لدار السرور قدّم طلب الوفاة على شرطه في قوله :
(وتَوَفّني إذا عَلِمْتَ الوفاةَ خيرا لي) . وفيه أيضا محاطيّة حياته وموته بالشرط وبالخير ، فأدارهما مدارهما لفظا كما هما معنى ، ولكن هل مجموع جملتي الحياة والموت مستشفع فيها بمجموع العلم والقدرة لاستناد كلّ منهما لهما ، أو على سبيل اللفّ والنشر المرتّب؟ وجهان .
وعلى الثاني لعلّ ربط الحياة بالعلم من حيث إنّه حياة القلوب ، والوفاةِ بالقدرة من حيث إنّها الباعثة على لقاء المحبوب ، وأيضا من حيث قدم مرتبة العلم على مرتبة القدرة والحياة سابقة على الوفاة واللّه أعلم .
(اللهمَّ إنّي أسألُكَ) . أخبر عن سؤاله ، وغرضه إنشاؤه تفنّنا فيه ، وتصريحا به لبيان كمال الانقطاع ، وإغماضا عمّا يشمّ منه رائحة الأمر ، نظرا لتهافت نفسه المستتبعة لمرتبة قدسهِ ، والتأكيد فيه حينئذٍ راجع لتأكيد الطلب والمبالغة في السؤال ، فكان إنّ نون التوكيد ، وبذلك نستغني عن محاولة الجواب عمّا قد يسأل أوّلاً عن فائدة الخبر : هل هي فائدته أم لازمها ، مع أنّ المخاطب تعالى عالم بهما؟ وثانيا عن مسوّغ التأكيد : هل هو التردّد فيحسن ، أو الإنكار فيجب؟ وكلاهما منفيّان عنه تعالى .
وإن أبيت إلّا الجواب ، فعن الأوّل أنّه من قبيل سَوق المعلوم مساق غيره على حدّ ما قيل ۱ في «هِيَ عَصَاىَ» ، ووجّه فيه بعدم جري المخاطب على مقتضى علمه ؛ لسؤاله

1.انظر الكشّاف ، ج ۳ ، ص ۵۷ ؛ و التفسير الكبير ، ج ۲۲ ، ص ۲۵ ، ذيل تفسير الآية.

صفحه از 280