شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 207

بقوله : «مَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ» 1 .
وأمّا هنا فلعلّ الوجه فيه اعتبار أنّ العلم تابع للمعلوم ، والمتكلِّم هنا نظر نفسه فانيةً باطلةً ، فهي لا شيء ، وكذلك سؤاله ، فعدّها مع خبرها ممّا لا يتعلّق بها علم العالم ؛ إذ نظره ممّا أحاط به علمه تعالى ، ثمّ عرض على ربّه سؤاله نظرا لوجوده .
وإن أردت جعل ما نحن فيه مطابقا للآية ، فلابدّ من تقدير السؤال عن السؤال ، فكأنّ المخاطب تعالى قال : هل تسأل شيئا ؟ فقال : أسألك ، ويسمّى هذا المقام في شأن غيره تعالى تنزيلَ العالم منزلة الجاهل ، وله أمثلة تُذكر محلَّها .
وعن الثاني باقتناص الجواب عنه من وجه تطبيق ما نحن فيه بالآية ؛ إذ قد انتهى الحال إلى تقدير السؤال ، فنقول : هو تنزيل غير السائل منزلة السائل ، ويُقال له في فنّه : إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر حيث يتقدّم ما يلوح بالخبر فيستشرف غير السائل له استشراف المتردّد .
فالداعي لمّا سأل المغفرة وغيرها من جمل الدعاء ، صار المقام مقام أن يتردّد المخاطب في أنّه هل يسأل شيئا كالخشية وأمثالها ، أم لا يسأل شيئا؟ وليس من التردّد في شيء ؛ إذ فرق بين قولنا : «لزيد ضربٌ»، و«لزيد أن يضرب» . وليس «أن يضرب» محقّق الضرب ، وبه صرّح الرضيّ في بحث الفرق بين المصدر الصريح والمؤوّل . 2
ومثل ما ذكرنا ذكره القوم في توجيه التأكيد في قوله تعالى : «إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» 3 ، مع أنّ نوحا ـ على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ لا ينكر ذلك ولا يتردّد ، وليس بخالي الذهن من الحكم ، ولكن لمّا تقدّمه له قوله تعالى : «وَلَا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا» استشرف استشراف المتردّد من غير تردّد ، فكأنّه سأل : هل هم مغرقون؟
هذا ؛ ولا نسلّم انحصار مقتضى ظاهر التأكيد في التردّد والإنكار ، وله تنبّه محقّقوا الفنّ :
قال صاحب الكشّاف في قوله تعالى : «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى

1.طه (۲۰) : ۱۸ ـ ۱۹ .

2.لم نعثر عليه صريحا في شرحي الشافية والكافية ، ولكن انظر شرح الكافية ، ج ۳ ، ص ۴۰۰.

3.هود(۱۱) : ۳۷ .

صفحه از 280