شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 208

شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ» 1 :
ليس ما خاطبوا به المؤمنين جديرا بأقوى الكلامين وأوكدهما ؛ لأنّهم في ادّعاء حدوث الإيمان منهم ، لا في ادّعاء أنّهم أوحديّون ، إمّا لأنّ أنفسهم لا تساعدهم ؛ لعدم الباعث والمحرِّك من العقائد ، أو لأنّه لا يروّج عنهم لو قالوه على لفظ التوكيد والمبالغة ، وإمّا مخاطبة إخوانهم في الإخبار عن أنفسهم بالثبات على اليهوديّة ، فهم فيه على صدق رغبة ووفور نشاط وهو رائج عنهم متقبّل منهم ، فكان مظنّة للتحقيق ، ومئينةً للتوكيد . 2
وقال بعد كلام : وأمّا قوله تعالى : «وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ» 3 ، فإنّما أكّد لأنّه ممّا يجب أن يبالغ في تحقيقه ؛ لأنّه لدفع الإيهام ، وإلّا فإنّ المخاطب عالم به وبلازمه ؛ 4 فتأمّل .
وعلى هذا فالتأكيد لمزيد المبالغة في صدق الخبر ووفور النشاط وكونه رائجا ، ولو عُبّر عن ذلك بأنّه للردّ على من استحضرهم المتكلّم وقت الخطاب من المنكرين أو الشاكّين ، فكأنّه نزّل غير المخاطب منزلة المخاطب ، قرب من العبارة المشهورة عند أهل الفنّ .
وقال الشيخ عبد القاهر : قد تدخل كلمة أنّ للدلالة على «إنّ» المتكلّم كان يظنّ الذي كان أنّه لا يكون ، 5 كقولك للشيء ـ وهو بمرءى ومسمع من المخاطب ـ : إنّه كان من الأمر ما ترى وأحسنت إلى فلان ، ثمّ إنّه فعل جزائي ماترى ، وعليه : «رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنْثَى» 6 ، و «رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ» 7 وساق الكلام في خصائص «أن» يظهر من هذا عدم اختصاص التأكيد بما اشتهر من التردّد والإنكار ، وقد يوجّه الدعاء طبق الآيات بأنّ الذي كان ينبغي أن أكون عليه من أوّل بدو خلقي هو الخشية ـ مثلاً ـ لما اطّلعت عليه من أسرارك ومعارفك التي تُلزمني الخوف منك أن لا أسأل حدوث ، ولكن ما عندي لا أعدّه خوفا وخشية ، فأنا الآن أسألك ذلك .
وفيه تنزيل الموجود منزلة المعدوم ، وهو من مقاماته التي يعترف فيها بالذنب

1.البقرة (۲) : ۱۴ .

2.الكشاف ، ج ۱ ، ص ۶۶ ، ذيل تفسير الآية.

3.المنافقون (۶۳) : ۱ .

4.راجع الكشّاف ، ج ۴ ، ص ۱۰۷.

5.قال به في دلائل الإعجاز ، ص ۳۲۷ ، رقم ۳۸۷.

6.آل عمران (۳) : ۳۶ .

7.الشعراء (۲۶) : ۱۱۷.

صفحه از 280