شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 218

وقد قال تعالى : «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوما مَحْسُورا»۱ .
ومن الإسراف أكل التمر ورمي النوى ، وشرب الماء وصبّ ما بقي في الكوز على الأرض ، إلى غير ذلك .
وكما يصحّ نسبة التقتير للفقر ، والإسراف للغنى ، كذلك يصحّ نسبة الحالين لكلّ من الحالين ؛ أي فلا اُقتّر ولا اُسرف في حال الفقر ، وكذلك في حال الغنى ، بل أجعلني كائنا على حاقّ الوسط ومتن الاعتدال من الأمر في كلّ منهما .
وهذان الفقر والغنى كما يصحّ أن يكونا ماليّين ويكون تحقّق الفقر بالنسبة له صلى الله عليه و آله وسلمإنّما يكون بحسب الصورة دون المعنى ؛ فإنّ بيده خزائن السماوات والأرض وما هو كذلك ليس بفقير حقيقة ، كذلك يصحّ أن يُراد بهما الفقر والغنى بحسب الذات والمعرفة ؛ فإنّه فقير ذاتي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا ، ولا موتا ولا حياةً ولا نشورا ، غنيّ بربّه وبمعارف أسراره وبما ملّكه وفوّض إليه في مثل قوله : «فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»۲ ، «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»۳ .
وفقره إلى اللّه هو الذي افتخر به فقال : «الفقر فخري وبه أفتخر» . ۴
ومعنى التقتير حينئذٍ في الفقر هو التفريط في جعله نفسه ـ مثلاً ـ كآلة الحدّاد بحيث لاينسب لها فعلاً على حدّ الأشعري الذي هو من الشعور بريء ، والإسرافُ فيه القول بالتفويض الذي اعتزل به عن الحقّ المعتزلي ، وكلّ منهما قد عميت إحدى عينيه ؛ فالمعتزلي اليمنى ، والأشعري اليُسرى ، والقصد هو أنّه لا جبر ولا تفويض ولكن أمرٌ بين أمرين .
والتقتير في الغنى كما يصحّ أن يُراد به حبس المعارف والأسرار عن متحمّليها ،

1.الإسراء (۱۷) : ۲۹ .

2.ص (۳۸) : ۳۹ .

3.الحشر (۵۹) : ۷ .

4.عدّة الداعي ، ص ۱۱۲ ، في مدح الفقر وفضيلة ؛ عوالي اللئالي ، ج ۱ ، ص ۳۹ ، ح ۳۸ ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۹ ، ص ۳۰.

صفحه از 280