فهو ينظر في سواد ، وحاله الذاتي لا تنافي فيه داره الدنيا لداره القصوى ، فالوجه الأسود هو وجهه في نفسه ، لا وجهه المقابل به موجده ومقيمه ، فإنّه بذلك الوجه يكون موجودا بل واجبا ، فالممكن ذو جهتين : جهة ظلمة ، وجهة نور .
وقوله عليه السلام : «لو مثّل لي الفقر لقتلته » لعلّه إشارة إلى إفناء الفناء لإرادة البقاء ، ف«لو» إمّا أنّها قد سلبت عن الامتناع وتمحّضت للشرط ، أو أنّها للتمنّي أو الامتناع على حاله ، والمراد امتناع الصورة المجسّمة ، وإن كان المعنويّة قد تمثّلت وقتلها فإنّه سلطان الفانين والمفنين للفناء .
وبما ذكرنا تتلاءم الأخبار ، ولكن ما ذكرناه ـ من حمل الفقر على الفقر في الدين ـ معروف في أعراص الأخبار ؛ ففي الكافي، قال أبو عبداللّه عليه السلام في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه : «اعلموا أنّ القرآن هدى الليل والنهار ، ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة ، فإذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم ، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم ، واعلموا أنّ الهالك من هلك دينه والحريب من حُرِب دينَه ، ألا وإنّه لا فقر بعد الجنّة ، ألا وإنّه لا غنى بعد النار ، لا يفكّ أسيرها ولا يبرأ ضريرها» . ۱
وعنه عليه السلام قال : «الفقر الموت الأحمر» ، فقيل له : الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال : لا ، الفقر من الدِّين» . ۲
وعنه عليه السلام وقد سأل عن رجل : «كيف دينه؟» فقيل له : كما تحبّ ، فقال : «هو واللّه الغنى» . ۳
ومثل هذه الأخبار كثير ، وإطلاق الغنى على الدِّين شائع ؛ ۴ هذا .
ولنرجع إلى ظاهر لفظ الدعاء فنقول : قد ورد حدّ القصد في الغنى والفقر وفضله
1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۱۵ ، باب سلامة الدين ، ح ۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۶ ، ص ۱۹۲ ، ح ۲۱۳۲۰.
2.تحف العقول ، ص ۸ ؛ بحارالأنوار ، ج ۷۴ ، ص ۶۳ ، ح ۴.
3.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۱۷ ، ح ۱۱۳ ؛ الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۱۶ ، باب سلامة الدين ، ح ۴ ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۵ ، ص ۲۱۴ ، ح ۴.
4.تحف العقول ، ص ۲۷۸.