شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 228

أقول : هل طريق زيارتهم عليهم السلام كذلك؟ وجهان . ثمّ إنّ هذه المقامات الثلاثة : ـ أعني مقامه مع الحقّ ـ وهو مقام الخشية والخوف الذي هو مقام العبوديّة ـ ومقامه مع الخلق ـ وهو مقام الكلمة الذي هو يناسب مقام النبوّة والرسالة ـ ومقامه مع نفسه ـ وهو مقام القصد والاعتدال الذي هو مقام التأدّب بالآداب ـ مترتّبة ، فالأخير على الأوّلين من حيث ترتّب العمل على العلم بالتعليم الإلهي ، والفعل على الانفعال عن الفاعل الحقيقي ، وأمّا ترتّب المقامين فلعلّه ناظر إلى ما روي عنهم عليهم السلام : «أنّ اللّه اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا ، وأنّ اللّه اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولاً ، وأنّ اللّه اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، وأنّ اللّه اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماما ، فلمّا جمع له الأشياء ، قال : إنّي جاعلك للناس إماما» قال : «فمن عظمها في عين إبراهيم قال : ومن ذرّيّتي؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ، قال : لا يكون السفيه إمام التقيّ» . ۱
والمراد أنّ كلّ مرتبة لاحقة لا تجامع السابقة إلّا متأخّرة ، لا أنّها لاتحصل بدونها ؛ فإنّ خلّةَ وإمامةَ المحدّثين ـ صلوات اللّه عليهم ـ قد حصلتا بدون النبوّة والرسالة إلّا على معنى أنّ المراد بالنبوّة معناها دون صحّة إطلاقها لفظا .
وحينئذٍ فإنّ معنى النبوّة حاصل لهم ؛ فإنّهم ممّن يسمعون صوت الملك وتحدّثه ، وهذا السماع قيد تحقّق المحدّثيّة لهم كما في الأخبار . ۲
وفيها أيضا أنّ الأنبياء على طبقات : منهم مَن يسمع الصوت ، ۳ مثل صوت السلسلة فيعلم ما عنى به ، فالسماع حينئذٍ بمجرّده يتحقّق النبوّة وهو قيد تحقّق المحدّثيّة ، فظهر أنّ معنى النبوّة حاصل لهم ، وقد ذكرنا شطرا من تحقيق ذلك في الفرق بين النبيّ والرسول ، والمحدّث والإمام في كتابنا المسمّى ب«تأويل التنزيل» وتعرّضنا لنشر الأخبار الواردة في ذلك في آية «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِىٍّ»۴ إلى آخر الآية .

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۷۵ ، باب طبقات الأنبياء والرسل ، ح ۲ ؛ الاختصاص ، ص ۲۲ ؛ بحارالأنوار ، ج ۱۲ ، ص ۱۲ ، ح ۳۶.

2.انظر شرح اُصول الكافي لمولى صالح المازندراني ، ج ۶ ، ص ۷.

3.انظر الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۷۴ ، باب طبقات الأنبياء والرسل.

4.الحجّ (۲۲) : ۵۲ .

صفحه از 280