شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 236

وبذلك يجمع بين هذين الخبرين وبين ما قدّمنا من أخبار البلاء ، فإنّه قد مرّ لك أنّه ميثاق على المؤمن الكامل الوداد ، وحاشا للّه أن يخلف الميعاد ؛ هذا .
وفي الجمع بين الحياة والموت في جملة الطباق من فنّ البديع ، وقد مرّ في شرح السرّ والعلانية ، وله في الدعاء نظائر ، ولمّا كان بالموت ـ صوريا كان أو معنويا وهو قطع العلائق والإغماض عن كلّ عائق ـ يتجلّى الحقّ لعبده وهو مقام شمس روحه في برج سعده ، ناسب طلب لذّة النظر لوجهه تعالى بعد ذكر الموت فقال صلى الله عليه و آله وسلم :
(وَلَذَّةَ النَّظَرِ۱إلى وَجْهِكَ) . بل في الحقيقة لعلّ العطف بياني ؛ فإنّ برد عيش الأولياء وحياة قلوبهم الروحانيّة إنّما هو نفس تلك اللذّة ، فإنّ ابتهاجهم به تعالى وسرورهم برؤيته قوّة عينهم وعين حياتهم .
وأمّا العيش الحيواني والنعيم البدني فلا يعدّونه شيئا ؛ أما ترى إلى قول نفسه عليه السلام : «ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا طمعا في جنّتك ، بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك» ۲ وإنّما سأل صلى الله عليه و آله وسلم اللذّة دون النظر ؛ لأنّ النظر حاصل لكلّ ذي عين وقلب واعٍ ؛ إذ عميت عينٌ لا تراه ، وهو وإن لم ترهُ العيون بالمشاهدة في المكان فقد رأته القلوب بحقيقة الإيمان ، ولكن هذا النظر وإن كان مهيّئا لكلّ ذي رؤية سليمة وفطنة تكليفيّة مستقيمة ، إلّا أنّ الابتهاج برؤيته والسرور في نظر وجهه إنّما هو للقليل من العباد الذين قطب دائرتهم هذا الداعي وآله الأمجاد صلى الله عليه و آله وسلم.
وقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ المراد بالنظر النظر القلبي ليس على حدّ طلب موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام : «أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ»۳ إذ يجلّ مقام النبوّة عن سؤال المحال عقلاً ، وسؤال الكليم عليه السلام إنّما هو لضرورة اقتراح اُمّته عليه. وشرح ذلك والتصادم بيننا وبين متهافتي المتكلِّمين من الأشاعرة موكول لمحلّه .

1.الأعراف (۷) : ۱۴۳.

2.في الكافي : «المنظر».

3.عوالي اللئالي، ج ۱، ص ۴۰۴، ح ۶۳؛ بحارالأنوار، ج ۴۲، ص ۱۴، ح ۴.

صفحه از 280