والوجه هنا كالوجه في قوله : «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ»۱ و «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ»۲ وأمثالهما وهو كناية عن الذات القدسيّة المنزّهة عن الأعضاء والعضلات البدنيّة ، ولكن ورد في روايات ذكرها المفسّرون أنّ المراد به دينه ، ۳ واستفاض عنهم عليهم السلام أنّهم وجه اللّه الباقي الذي لا يهلك ولا يبيد ، ۴ وقد أوردنا شطرا منها في تفسيرنا الذي أشرنا إليه مرارا .
ولاشكّ أنّ الوجه هو الجهة ، وهم الجهة الإلهيّة التي بها يتوجّه الخلق للّه ، بل توجّه الخلق ، بها لخلقه، فخلق أوّلاً نورهم ، ثمّ خلق من ذلك النور ما خلق ، ولولا ذلك النور ما خلق اللّه شيئا ، كما هو صريح الروايات ، ۵ فكلّ ذرّة لها وجهان : وجه لها من نفسها باطل مضمحلّ باطنه العدم ، ووجه به قوامها وتقويمها وتأيّدها وتسديدها هو وجهها إلى اللّه ، وهو ذلك النور الموجود .
وعلى هذا فطلب الداعي صلى الله عليه و آله وسلم لذّة النظر إلى وجه ربّه هو سؤال ابتهاجه بنفسه لا من حيث إنّها نفسه ، بل من حيث إنّها وجه ربّه ، وفي الإضافة إيماء إليه .
ويؤيّد حمل الوجه على هذا المعنى تعقيبه بقوله :
(وشَوْقا إلى لِقائك ۶ ) إذ لو كان المراد حمل الوجه على الذات المقدّسة لكان الأنسب بالعطف تعاكس المتعاطفين ؛ إذ الشوق إلى اللقاء قبل لذّة النظر التي هي عين البقاء بعد الالتقاء .
ولايذهب عليك ما ذكره النحويّون أنّ الواو لمطلق الجمع ، ۷ فيجوز أن تعطف ما هو متعاكس ، لأنّ ذلك من شأن تصحيح الألفاظ ، وهو وإن جاز لكنّه خلاف المناسب عند أصحاب القلوب في التبيان ، وهذا مقام لا يسعه النحو ، ولا ينصرف إلى بديع معناه بيان منطق اللسان .
1.الرحمن (۵۵) : ۲۶.
2.القصص (۲۸): ۸۸ .
3.انظر تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۴۵ ؛ الصافي ، ج ۵ ، ص ۱۱۰ ، ذيل تفسير الآية ۲۶ من سورة الرحمن.
4.انظر بصائرالدرجات ، ص ۸۴ ، الباب ۴.
5.انظر مختصر بصائرالدرجات ، ص ۳۲ ؛ بحارالأنوار ، ج ۱۵ ، ص ۹ ، ح ۱۰.
6.في الكافي : «وشوقا إلى رؤيتك ولقائك».
7.انظر مغني اللبيب ، ج ۱ ، ص ۴۶۳ ، حرف الواو.