ولعلّ الحكمة في تنكير شوقه للقاء ربّه الإيماء إلى تعظيمه ، أي شوقا عظيما على حدّ شيء جاء بك وأمثاله ، وإلى أنّه لا يعرف حقيقته بخلاف النظر لوجهه الذي هو نفسه على ما مرّ ؛ فإنّه قد عرف نفسه ، وبه عرف ربّه الذي ترتّب عليه بإشعار العطف .
وإن أبيت إلّا حمل الوجه على الوجه الأوّل ؛ أعني الذات ، فالمراد سؤال لذّة النظر له وعرفانه في هذا العالم الذي هو السبب في شوق لقائه في عالم الآخرة باضمحلال عوائق هذا العالم وإن كانت إلهيّة ، كأداء الرسالة وسياسة النبوّة ولوازم الرياسة العامّة ، إذ هي حجب في الجملة ، فسأل ربّه رفعها برفعه عن حضيض أرض الدنيا إلى أوج سماء الآخرة ، فإنّ من اشتاق إلى شيء فقد سأله بلسان حاله أن يناله ، فسؤال شوقه للقاء ربّه سؤال لقائه غير أنّ الأوّل مطابَقَة والثاني التزام ، وحينئذٍ فلذّة النظر مقدَّمة ذلك الشوق ، وبه تحصل مناسبة الترتّب اللفظي .
واعلم أنّ المراد باللقاء لقاء آثاره المترتّبة عليه من الإكرام والإعظام وما أعدّه اللّه سبحانه لأوليائه من النِّعم العظام والعطايا الجِسام ؛ جسمانيّة كانت أو روحانيّة ، وهي الأنسب بمقام الداعي صلى الله عليه و آله وسلم .
وأمّا اللقاء بمعناه المعروف فيعرف محاليّته من محاليّة الرؤية والنظر على ما سبق ؛ لاستدعاء الجهة ، ومن جعل الجهة جهة كيف يكون في جهة؟
وأمّا قوله صلى الله عليه و آله وسلم :
(مِنْ غَيْرِ ضَرّاءَ مُضِرَّةٍ) فظرف متعلّق إمّا بكلّ من الجملة التي وقعت مسؤولة ، أو بالجملة القريبة وحدها . وأيّا ما كان فالضرّاء : الشدّة ، وهي فعلاء بدون أفعل كالبأساء ، كما وقع أفعل بدون فعلا كأحمد ، وجوّز الفرّاء جمعهما على أبؤُس وأضُرّ قياسا على أنعُم نعماء.
و«مضرّة» صفة ضرّاء ، ولكنّ الظاهر أنّها ليست من أفعل مزيد فعل من الضرر خلاف النفع ؛ لأنّ مجرّده متعدّ بنفسه ؛ يُقال : ضرّه وضارّه بمعنىً ، لكن لعلّه من أضرّ يعدو إذا أسرع ، أو أضرّ الرجل إذا تزوّج على ضرّه ، ويُقال : أضرّت المرأة أيضا إذا