متوقّعا لأجله ، خاشعا قلبه ، ذاكرا ربّه ، قانعة نفسه ، منفيّا جهله ، سهلاً أمره ، حزينا لذنبه ، ميّتة شهوته ، كظوما غيظه ، صافيا خلقه ، آمنا منه جاره ، ضعيفا كبره ، قانعا بالذي قُدِّر له ، متينا صبره ، محكما أمره ، كثيرا ذكره ، يخالط الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم ، ويتّجر ليغنم ، لاينصت للخير فيفجر ، ولا يتكلّم ليتجبّر على من سواه ، نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة ، أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه ، إن بغي عليه صبر حتّى يكون اللّه ينتصر له ، بُعده ممّن تباعد عنه بغض ونزاهة ، ودنوّه ممّن دنا منه لينٌ ورحمة ، ليس تباعده تكبّرا ولا عظمة ، ولا دنوّه خديعة ولا خلابة ، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير ، فهو إمامٌ لمن بعده من أهل البرّ» .
فصاح همّام صيحةً ، ثمّ وقع مغشيّا عليه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «أما واللّه لقد كنت أخافها عليه» . وقال : «هكذا تصنع الموعظة بأهلها» .
فقال له قائل : فما بالك يا أمير المؤمنين عليه السلام ؟
فقال : «إنّ لكلّ أجلاً لن يعدوه ، وسببا لا يجاوزه ، فمهلاً لا تُعِدْ ، فإنّما نفث على لسانك شيطان» .
روي هذا الخبر في الكافي ، ۱ وقال شارحه في الوافي بعد شرح ألفاظه ما هذا لفظه :
وهذه الصفات والعلامات قد يتداخل بعضها في بعض ، ولكن يورد بعبارة اُخرى ، أو تذكر مفردة ، ثمّ نذكر ثانيا مرتّبة مع غيرها .
وهذه الخطبة من جليل خطبه وبليغ وصفه ، فعلت بهمّام ما فعلت ، وقد أوردها صاحب نهج البلاغة باختلافات كثيرة في ألفاظها ، ۲ وفي آخرها : «فصعق همّام صعقة كانت نفسه فيها» يعني مات فيها .
وقول السائل : فما بالك ، أي لم تقع مغشيّا عليك ، أو ذكرت له ذلك مع خوفك عليه الموت؟
فأجابه عليه السلام بالإشارة إلى السبب البعيد وهو الأجل المحكوم به في القضاء الإلهي ،
1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۲۶ ، باب المؤمن و علاماته و صفاته ، ح ۱.
2.نهج البلاغة ، ص ۳۰۳ ، الخطبة ۱۹۳.