وهو جواب مقنع للسامع ، مع أنّه حقّ وصدق .
وأمّا السبب القريب للفرق بينه وبين همّام ونحوه في قوّة نفسه القدسيّة على قبول الواردات الإلهيّة وتعوّده بها وبلوغ نفسه حدّ السكينة عند ورود أكثرها ، وضعف نفس همّام عمّا ورد عليه من خوف اللّه ورجائه ، وأيضا في أنّه عليه السلام كان متّصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتّى يتحسّر على فقدها ، قيل : ولم يجب عليه السلام بمثل هذا الجواب ؛ لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل ونهيه له عن مثل هذا السؤال والتنفّر عنه بكونه من نفثات الشيطان ؛ لوضعه له في غير موضعه وهو من آثار الشيطان ، وباللّه العصمة والتوفيق .
إن قيل : كيف جاز منه عليه السلام أن يُجيبه مع غلبة ظنّه بهلاكه وهو كالطبيب يعطي كلّاً من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء؟
قلت : إنّه لم يغلب على ظنّه إلّا الصعقة ، فأمّا أنّ تلك الصعقة فيها موته فلم يكن مظنونا له . ۱
انتهى كلامه علا مقامه .
ولاغبار عليه إلّا في آخره ؛ ففيه غفلة عمّا عليه أهل الحقّ وهو من أجلّهم قدرا وأعلاهم شأنا من أنّ أفعالهم ـ صلوات اللّه عليهم ـ في الحقيقة أفعال اللّه سبحانه يفعلون ما يُؤمرون ، لا يتصرّفون في شيء من دون إذنه ، فكان من القضاء والقدر الإلهيّين أن يكون موت همّام في ذلك الحين على هذا السبب من وعظه عليه السلام وهو عالم بالسبب والمسبّب من لدن مَن أطلعه على غيبه ، لا ظنّ هناك ، بل علم يقيني جزمي ، وفي الحقيقة هذا الوعظ من اللّه سبحانه جرى على لسان أشرف الأوصياء ، فكلّم اللّه همّام به «لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»۲ ، فمَن آمن باللّه وصدّق رسله وأوصياءه واعتقد عصمتهم علم أنّ أفعالهم عين الحكمة ، والرادّ عليهم كالرادّ على اللّه ۳ والمعترض عليه ، ومن شأن الشيعة التسليم لهم في أفعالهم وأقوالهم ، لا تأخذهم في
1.الوافي ، ج ۳ ، ص ۱۵۶.
2.الأنبياء (۲۱) : ۲۳ .
3.مأخوذ من قوله عليه السلام في رواية أبي بصير، انظر المحاسن، ج ۱، ص ۱۸۵، ح ۱۹۴؛ الكافي، ج ۸ ، ص ۱۴۵، ح ۱۲۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱، ص ۳۸، ح ۵۹.